أين حقائبي؟ .. فقدان الأمتعة كابوس للمسافرين وصداع شركات الطيران
الكاتب:
{pubdate}
في يوليو 2024، وصل “آدم وليامز”، وهو أستاذ جامعي أمريكي إلى مطار شارل ديجول بعد رحلة طويلة من شيكاغو لقضاء عطلته الصيفية في باريس.
وبينما كان ينتظر أمتعته على السير المتحرك، أدرك أن حقيبته لم تصل، عندها بدأ الضيق والقلق يتسلل إلى “وليامز” حيث كانت تلك الحقيبة تحتوي على ملابسه، وهدايا لأصدقائه من فرنسا، وجهاز لابتوب يحوي مشاريع تعليمية مهمة.
وبدلًا من أن يبدأ برنامج رحلته الترفيهية، قضى “وليامز” أول ثلاثة أيام من تلك الرحلة يلاحق شركة الطيران عبر المكالمات ورسائل البريد بهدف الوصول إلى حقيبته، ولكن دون جدوى.
وبعد أسبوع من المحاولات المضنية، تلقى إشعارًا بأن الحقيبة “ربما” ضاعت في أحد مطارات الترانزيت، ليعطل هذا الحادث رحلته، ويؤثر على خططه المهنية، ويجعله يعيد التفكير في تدابير السفر الخاصة به مستقبلًا.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
معاناة “وليامز” من فقدان الحقيبة ليست حالة نادرة، بل هو واحد من ملايين المسافرين الذين أصبح فقدان الأمتعة جزءًا مريرًا من تجربة سفرهم.
وبالنسبة لكثير من المسافرين، لا يوجد ما هو أسوأ من بداية رحلة باكتشاف أن أمتعتهم لم تصل معهم، كما يشكل فقدان أو تأخير الأمتعة أيضًا عبئًا لوجستيًا وماليًا متزايدًا على شركات الطيران حول العالم.
ومع تعافي قطاع السفر الجوي بعد جائحة كورونا وعودة الازدحام إلى المطارات، عادت مخاوف فقدان الأمتعة من جديد، خاصة في ظل زيادة أعداد الركاب وتعقيدات الرحلات.
أزمة الأمتعة في أرقام
وفقًا لتقرير سيتا حول أمتعة المسافرين لعام 2024، جرى التعامل بشكل خاطئ مع أكثر من 23 مليون حقيبة حول العالم في عام 2023، مقارنةً بـ 26 مليون في عام 2022.
وانخفض معدل الأمتعة التي جرى التعامل معها بشكل خاطئ عالميًا إلى 6.9 حقائب لكل ألف مسافر في عام 2023، وهو الأدنى منذ عام 2018 مقابل 7.6 حقائب لكل ألف مسافر في عام 2022.
جاء هذا الانخفاض رغم زيادة عدد المسافرين إلى 5.2 مليار خلال ذلك العام وهو أعلى رقم مسجل منذ جائحة كوفيد 19، ليشكل بادرة أمل بأن تتقلص هذه الظاهرة.
ورغم أن معظم الحقائب تُسترجع، إلا أن هناك حوالي 5 ملايين متاع مفقود ما بين ضائع أو مسروق ولا تعود إلى أصحابها أبدًا حيث تُعد الحقائب في الرحلات الدولية أكثر عرضة للفقدان بمعدل يزيد بأكثر من الضعف مقارنة بالرحلات الداخلية.
وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى فقدان أو تأخير الأمتعة خلال السفر، وغالبًا ما تكون ناتجة عن خلل في سلسلة العمليات التي تمر بها الحقائب داخل المطارات.
ومن أبرز هذه الأسباب، المشاكل المرتبطة بتحويل الرحلات، والتي تشكل نحو 42% من حالات الفقدان.
فعندما يكون لدى المسافر توقف أو “ترانزيت”، قد لا تصل الحقيبة في الوقت المناسب إلى الطائرة التالية، خاصة إذا كان وقت الانتقال بين الرحلات قصيرًا.
أبرز أسباب فقدان الأمتعة ونسب حدوثها
الترتيب
السبب
النسبة (%)
1
تحويل الرحلات (الترانزيت)
42
2
خطأ في تحميل الأمتعة
18
3
مشكلات في التذاكر أو الملصقات
16
4
نقص الكوادر
13
5
الزحام وأسباب أخرى
11
يأتي بعد ذلك الخطأ في تحميل الأمتعة، والذي يمثل نحو 18% من الحالات، ويحدث ذلك عندما يتم وضع الحقيبة على طائرة خاطئة، إما بسبب تسرع العمال أو لعدم وضوح المعلومات المرافقة للحقيبة.
كما لا يمكن إغفال دور الازدحام الشديد ونقص الكوادر في بعض المطارات، خاصة خلال فترات الذروة مثل العطل الصيفية والمواسم، مما يؤدي إلى ضغط على أنظمة المناولة والتسليم، ويزيد من احتمالات الخطأ والتأخير.
الكلفة على شركات الطيران
تُقدّر تكلفة الأمتعة المفقودة على قطاع الطيران العالمي بأكثر من ملياري دولار أمريكي سنويًا، وتشمل هذه التكاليف تعويضات للمسافرين، وشحن الحقائب المتأخرة، وتكاليف خدمة العملاء، فضلًا عن التأثير السلبي على السمعة.
وعند فقدان الأمتعة، تلتزم معظم شركات الطيران بسياسات موحدة تستند إلى اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية مونتريال، التي تفرض على الشركات تعويض الركاب في حال تأخر أو ضياع الأمتعة.
وتبدأ الإجراءات عادة بتقديم بلاغ رسمي من الراكب مع وصف دقيق لمظهر الحقيبة ومحتوياتها، لكي تبدأ الشركة بعد ذلك بمحاولة تعقّب الأمتعة عبر أنظمة تتبع الحقائب.
وفي حال عدم العثور على الحقائب خلال 21 يومًا، تُعتبر الحقيبة “مفقودة نهائيًا” ويُصبح الراكب مؤهلًا للتعويض المالي.
لكن على أرض الواقع، تختلف درجات الالتزام والسرعة في التنفيذ من شركة إلى أخرى، فبعض الشركات الكبرى توفر تطبيقات رقمية تسهل تتبع الأمتعة وتقديم الشكاوى إلكترونيًا، بينما قد يتعين على الركاب في شركات أخرى التعامل مع بيروقراطية معقدة.
وغالبًا ما يُحدّد سقف تعويض الحقيبة المفقودة عند معظم شركات الطيران بمبلغ لا يتجاوز 1700 دولار أمريكي، وقد يقل كثيرًا في حال عدم وجود إثباتات واضحة على قيمة المحتويات.
أما إذا كانت الأمتعة تحتوي على مقتنيات ثمينة لم تُصرّح بها مسبقًا، ففي معظم الأحيان لا تكون مشمولة في التعويض، لذا تنصح غالبية الشركات عملائها بعدم وضع الأشياء الثمينة في الحقائب المشحونة.
الأسوأ والأفضل في التعامل مع الأمتعة
في عام 2022، سجلت شركات الطيران في أمريكا الشمالية أسوأ أداء في التعامل مع الأمتعة، بواقع 9.3 حقيبة مفقودة لكل ألف مسافر، تلتها أوروبا بـ 7.6 حقيبة.
وكانت شركات مثل أميركان إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز ضمن الأعلى من حيث عدد الشكاوى المتعلقة بفقدان الأمتعة، بسبب كثافة الرحلات وتعقيد الشبكات التشغيلية.
في المقابل، سجلت شركات الطيران في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الأداء الأفضل، بـ3.2 حقيبة فقط لكل ألف مسافر، بفضل الأتمتة والبنية التحتية الحديثة في العديد من مطارات آسيا.
وتبرز شركات كالخطوط السنغافورية والخطوط اليابانية كأمثلة على الكفاءة العالية في تتبع الأمتعة، نتيجة الاستثمار المستمر في تقنيات التتبع المتقدمة وخدمات العملاء الفعالة.
ووفقًا لاستطلاع أجرته إيرهليب في 2023، اعتبر 63% من المسافرين أن فقدان الأمتعة هو أحد أسوأ الكوابيس التي قد تواجههم خلال السفر، متقدمًا على تأخر الرحلات أو إلغائها.
في حين يثق 31% فقط من المسافرين بأن شركتهم ستتعامل بفعالية مع مشكلة الأمتعة المفقودة.
الحلول والتقنيات الحديثة
وبدأت شركات الطيران والمطارات تبني حلول تقنية متقدمة تهدف إلى تحسين دقة التتبع وتقليل الأخطاء البشرية.
وبالفعل تبنّت بعض شركات الطيران مثل شركة “دلتا” تقنيات التتبع باستخدام شرائح تعتمد على الترددات اللاسلكية، وتطبيقات متابعة الأمتعة لحظة بلحظة، وقد ساهم ذلك في تقليل معدلات فقدان الأمتعة بنسبة تصل إلى 20%.
إلى جانب ذلك، أصبحت العديد من شركات الطيران توفر تطبيقات مخصصة على الهواتف الذكية تتيح للمسافرين تتبع موقع أمتعتهم خطوة بخطوة.
ومن الابتكارات الأخرى التي أثبتت فعاليتها، الأكشاك الذكية لتسليم الأمتعة، والتي تتيح للمسافرين طباعة ملصقات الأمتعة بأنفسهم، ما يقلل من أخطاء الإدخال اليدوي ويوفر الوقت.
وتشير توقعات تقرير شركة “سيتا” إلى أن أكثر من 75% من شركات الطيران حول العالم ستعتمد أنظمة تتبع لحظي للأمتعة عند النقاط الأساسية في الرحلات بحلول عام 2025، في خطوة تعكس تحولًا كبيرًا نحو تحسين تجربة السفر وتعزيز موثوقية إدارة الأمتعة.
نصائح لتجنب فقدان الأمتعة
يُعد فقدان الأمتعة من أكثر العوامل التي يمكن أن تجعل السفر تجربة سلبية للمسافرين، سواء بالفقدان أو التلف، ولتفادي هذه المتاعب، هناك عدة خطوات يمكن للمسافر أن يتخذها بدءًا من اختيار حقيبة السفر المناسبة.
ويُفضل اختيار حقيبة صلبة مصنوعة من مواد متينة مثل الألمونيوم، حيث توفر حماية فعالة ضد الصدمات والخدوش.
كما يُنصح باختيار حقيبة ذات لون مميز أو إضافة شريط لاصق ملون أو ملصقات لافتة، ليسهل تمييزها وسط عشرات الحقائب المتشابهة على سير الأمتعة.
ولتأمين الحقيبة، يُفضل استخدام أقفال معتمدة من هيئات النقل، بحيث يمكن لموظفي التفتيش فتحها دون كسرها عند الحاجة، ويمكن أيضًا استخدام روابط بلاستيكية أو أحزمة أمان للسحابات، مما يُصعّب على أي متطفل الوصول إلى محتويات الحقيبة بسهولة.
كذلك يُفضل التقاط صور للحقيبة من الخارج والداخل قبل السفر، وتوثيق محتوياتها، خاصة إن كانت تتضمن أدوات إلكترونية أو مقتنيات ثمينة، فهذا التوثيق سيساعدك في حال احتجت إلى تقديم مطالبة لشركة الطيران عند فقدان الأمتعة أو تلفها.
ومن الجوانب المهمة التي يتجاهلها البعض وضع بطاقة تعريف واضحة داخل الحقيبة وخارجها، تتضمن اسمك ورقم هاتفك.
ولحماية الأغراض القيّمة مثل الأجهزة الإلكترونية أو المجوهرات أو الأدوية الضرورية، من الأفضل وضعها في حقيبة اليد التي تبقى معك على متن الطائرة، لتتجنب احتمالات الفقدان أو التأخير.
وأخيرًا، لا تتأخر في استلام حقيبتك عند الوصول، وتوجه مباشرة إلى منطقة استلام الأمتعة، لأن التأخير يمنح فرصة أكبر للعبث بها أو حتى فقدانها.
ومع استمرار نمو قطاع السفر الجوي، لا تزال ملايين الحقائب تضل طريقها، مما يهز ثقة المسافرين، لذا فإن على شركات الطيران تسريع استثماراتها في الحلول التقنية.
وفي حين يتعين على المسافرين أيضًا اتخاذ تدابير ذكية مثل التتبع اللحظي والتقليل من الأمتعة قدر الإمكان، يجب أيضًا على شركات الطيران أن تولي الأمتعة المفقودة أولوية حقيقية، لا أن تدرجها ضمن قائمة الشكاوى فحسب.
المصادر: أرقام- موقع سيتا لبيانات أمتعة المسافرين- موقع إيرهليب- اتحاد النقل الجوي الدولي- فوربس- سي إن إن