Fx Forsa

الرئيسيةالأخبار الأقتصادية‏بين الانضباط والمخاطرة .. سر البقاء في مواجهة تقلبات الأسواق

‏بين الانضباط والمخاطرة .. سر البقاء في مواجهة تقلبات الأسواق

-

‏بين الانضباط والمخاطرة .. سر البقاء في مواجهة تقلبات الأسواق

الكاتب:

{pubdate}

تشبه تحركات أسواق المال حركة البحار؛ التي تشهد موجات هادئة أحيانًا وعواصف هادرة في أحيان أخرى.

فالأسواق ليست مجرد أرقام تتحرك على شاشات؛ إنها مسرح صراع دائم بين الخوف من الخسارة والرغبة في الحصول على المكاسب، بين الانضباط والانفلات، بين من ينهار مع أول موجة ومن يحوّل العاصفة إلى فرصة.

وبين مدّ الذعر وجزر الطمع، يجد المستثمر نفسه أمام اختبار دائم بين الالتزام بالقواعد تارة والإبحار بجرأة نحو الفرص وسط العواصف تارة أخرى.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

وتشهد البورصات مشهدًا مألوفًا لدى المتداولين، وهو انهيارات مدوّية تعقبها انتعاشات مذهلة، وخلال هذا المشهد يسقط كثير من الضحايا، بينما تنجح قلّة نادرة في البقاء، والازدهار، ليبرز سؤال واحد هو كيف يمكن أن أكون من بين تلك الفئة القليلة؟

الجواب لا يكمن في التنبؤ بالمستقبل أو ملاحقة كل موجة، بل في معادلة دقيقة تتكوّن من انضباط راسخ كالجذور ومخاطرة محسوبة بدقة، حيث يصبح المستثمر أشبه بقبطان يوازن بين ثبات السفينة ومجاراة الرياح.

الانضباط مرسى آمن وقت العواصف

الانضباط ليس مجرد سلوك مثالي، بل هو صمّام الأمان للاستثمارات، حيث يشير تحليل إنفستوبيديا إلى أن التصرّفات الانفعالية – مثل البيع السريع أثناء الهبوط أو محاولة توقيت السوق – غالبًا ما تُضعف قدرة المستثمر على التعافي لاحقًا.

هذا ما أكّده أيضًا “بيل جروس” الملقب بملك السندات، في تصريح له خلال وقت سابق من العام الحالي حين حذّر من الإفراط في تطبيق استراتيجية “شراء التراجع”.

وتقوم هذه الاستراتيجية على فكرة أنه عندما ينخفض سعر أصل ما، يعتبر بعض المستثمرين أن هذا الهبوط مؤقت ضمن اتجاه صاعد طويل الأمد، فيستغلونه كفرصة لشرائه بسعر أقل، على أمل أن يعود السعر للارتفاع لاحقًا.

واعتبر “جروس” أن بعض الانخفاضات لا تمثل تصحيحًا قصير الأمد، بل تحوّلًا اقتصاديًا أوسع، لذلك، أوصى بالميل إلى الأصول الآمنة مثل الأسهم المحلية المستقرة ذات توزيعات الأرباح الجذابة والاستثمارات النقدية منخفضة المخاطر.

ومع ذلك، فإن الانضباط لا يقتصر على اختيار الأصول فحسب، بل يمتد أيضًا إلى إدارة العواطف حيث أظهر تقرير صادر عن مونينجستار أن المستثمرين الذين وضعوا خططًا استثمارية مسبقة، والتزموا بها خلال تقلبات الأسواق، حققوا عوائد أعلى.

وبحسب التقرير فإن نسبة الارتفاع فاقت 1.5% سنويًا مقارنةً بمن اتخذوا قرارات عشوائية مدفوعة بالخوف أو الطمع.

كذلك، يلعب الانضباط دورًا محوريًا في إدارة التوقيت، ففي أعقاب الانخفاض الحاد لأسعار النفط مطلع 2025، اندفع العديد من المستثمرين إلى بيع أسهم شركات الطاقة بخسائر كبيرة.

لكن من تمسّك باستراتيجيته طويلة الأمد واحتفظ بمراكزه، استفاد من عودة الأسعار للارتفاع خلال الصيف، محققًا مكاسب تجاوزت 20% وفقًا لبيانات بلومبرج.

وفي هذا السياق، يشبّه بعض الخبراء الالتزام بالقواعد ببوصلة القبطان وسط العواصف البحرية، فهي لا تمنع الأمواج من الارتطام بالسفينة، لكنها تضمن أن تظل في المسار الصحيح نحو برّ الأمان.

وهذا ما يميز المستثمر الناجح عن غيره؛ القدرة على تحمّل العاصفة دون الانحراف خلف الانفعالات المؤقتة.

المجازفة بميزان الحكمة

المخاطرة ليست عدوّ المستثمر، بل تمثل في كثير من الأحيان الوجه الآخر للفرص.

ففي تقرير نشرته فايننشال تايمز أوائل 2025، أشار خبراء إلى أن المحافظ التي تتبنى مخاطرة محسوبة عبر تنويع الأصول كانت الأكثر قدرة على امتصاص صدمات الأسواق المتقلبة.

هذا النهج لم يحمِ رأس المال فحسب، بل مكّن المستثمرين من اقتناص موجات الصعود التالية، في وقت خسر فيه من اندفع وراء العواطف جزءًا كبيرًا من ثروته، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في التفريق بين المخاطرة الذكية والمقامرة العشوائية.

مقارنة بين استراتيجيات الاستثمار

الاستراتيجية

المزايا الرئيسة

المخاطر المحتملة

أمثلة على نجاحها

النهج المنضبط

حماية رأس المال، تقليل الانجراف وراء العاطفة، المحافظة على نمو تدريجي.

احتمال تفويت فرص ربح كبيرة في فترات الانتعاش المفاجئ.

صناديق التقاعد طويلة الأجل، وبعض الصناديق السيادية.

النهج المغامر

إمكانية تحقيق مكاسب استثنائية عند استغلال الفرص في توقيت صحيح.

تعرض مرتفع للخسائر الفادحة في حال سوء التقدير أو استمرار التراجع لفترة طويلة.

بعض صناديق التحوط مثل “سيتادل” خلال أزمة كوفيد-19.

النهج المتوازن

مزيج بين الحذر والجرأة، تحقيق عوائد مستقرة مع تحكم نسبي في المخاطر.

يتطلب خبرة عالية ومرونة في تعديل القرارات وفق تغير المعطيات.

بعض المستثمرين المخضرمين مثل هوارد ماركس.

وأوضح تقرير صادر عن جيه بي مورجان أن المستثمرين الذين خصصوا ما بين 5% و10% من محافظهم للأصول عالية المخاطر حققوا عوائد تراكمية أفضل على المدى الطويل، مقارنةً بمن استثمروا إما في المخاطر القصوى أو اكتفوا بالملاذات الآمنة فقط.

وفي المقابل، فإن المخاطرة غير المحسوبة قد تتحول إلى فخ قاتل، ففي انهيار قطاع التكنولوجيا عام 2022، خسر العديد من المستثمرين الأفراد أكثر من نصف محافظهم بسبب تركيزها في أسهم النمو المبالغ في تقييمها.

أما من طبقوا إستراتيجية توزيع المخاطر، فقد تكبدوا خسائر أقل بكثير، وعوضوا معظمها خلال عامين بفضل مرونة أصولهم الأخرى، وفق بيانات نشرتها شبكة سي إن بي سي.

ويؤكد الاقتصاديون أن الحكمة في المجازفة تشبه فن الإبحار، إذ لا يمكن للربان أن يصل إلى وجهته دون مواجهة أمواج البحر.

لكن الفارق بين من ينجو ومن يغرق هو قدرته على تقدير عمق المياه واتجاه الرياح قبل أن يرفع الأشرعة، وهكذا، تصبح المخاطرة أداة قوة وليست تهديدًا، شرط أن تُدار بعقلانية لا بانفعال.

أمثلة حية ودروس من التاريخ

في خضم تقلبات الأسواق، كثيرًا ما يثبت التاريخ أن سلوك المستثمرين تحت الضغط هو العامل الفاصل بين الخسارة والنجاح.

فقد أبرزت وول ستريت جورنال أن جيل المستثمرين من الشباب لا سيما مستخدمي تطبيقات التداول الرقمي، واصلوا الشراء خلال تراجع مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 19% في عام 2022، هذا التدفق من السيولة الفردية أسهم في تسريع ارتداد السوق لاحقًا.

ووفقًا لماركت ووتش، ضخّ المستثمرون الأفراد نحو 50 مليار دولار في البورصة الأمريكية بعد فرض رسوم تجارية جديدة، وهي خطوة بدت مغامرة في حينها، لكنها أثمرت عن ارتداد صعودي بلغت أرباحه قرابة 12% في غضون أشهر قليلة.

في المقابل، أظهر تحليل صادر عن إنفستك ريسيرش أن أولئك الذين تمسكوا بخطط استثمارية ثابتة ولم يستجيبوا لذعر الأسواق، استفادوا من شراء الأصول بأسعار متدنية بينما باعت المؤسسات المالية بكثافة، ما عزز عوائدهم على المدى المتوسط.

هذه الصورة ليست جديدة، فالتاريخ مليء بأمثلة مشابهة، ففي ذروة أزمة 2008، تمكن مدير الصناديق الأمريكي “توم فورستر” من تجنب الانهيارات الكبرى عبر التركيز على الشركات ذات القيمة العالية والتمسك برؤية طويلة الأمد، ليخرج بأداء يفوق أقرانه.

أما المستثمر الأسطوري “جون تمبلتون” فقد جسّد القاعدة الذهبية: “اشترِ حين يسود الذعر”، إذ أقدم عام 1939، في خضم الكساد الكبير، على شراء مئات الأسهم بأقل من دولار واحد للسهم، ليحقق لاحقًا ثروة ضخمة مع عودة الأسواق إلى مسارها.

ومن الأمثلة الحديثة، يبرز نجاح بعض المستثمرين في جائحة كوفيد-19 عام 2020، حين تهاوت الأسواق العالمية بأكثر من 30% في أسابيع قليلة حيث سارع الكثيرون إلى البيع بدافع الخوف.

لكن المستثمرين الذين تحلّوا بالجرأة مثل صندوق التحوط سيتادل استغلوا الانخفاضات لبناء مراكز استراتيجية، ليحققوا مكاسب استثنائية مع عودة الأسواق إلى مستوياتها القياسية في العام التالي.

التوازن سر البقاء

يتطلب البقاء والنجاح مزيجًا متوازنًا بين عنصري الانضباط والمخاطرة، فالأول وحده قد يحرم المستثمر من فرص ثمينة، والاعتماد على العنصر الثاني بشكل عشوائي قد يدفعه إلى الانهيار.

ويبرهن التاريخ المالي أن النجاة في الأسواق لم تكن يومًا حكرًا على من يتفادون المخاطر تمامًا، ولا على من يندفعون وراءها بلا حساب، بل على من يملكون القدرة على التكيف مع العواصف، واغتنام الانعطافات الكبرى بقرارات محسوبة.

فالمستثمر الناجح لا يكتفي بالانضباط الصارم، ولا ينجرف وراء الجرأة المطلقة، بل يمزج بين الاثنين بحكمة.

وكما لخّص المستثمر المخضرم “هوارد ماركس” في مقولته: “النجاح في الاستثمار لا يقوم على التنبؤ بالمستقبل بدقة، بل على الاستعداد لكل السيناريوهات الممكنة”.

في النهاية، ليست الأسواق ميدانًا للبقاء للأقوى، بل للأكثر حكمة في موازنة الانضباط مع الجرأة؛ فالمجازفة إن وُضعت على ميزان الحكمة، تتحول من تهديد إلى فرصة، ومن عاصفة إلى ريحٍ تدفع السفينة نحو آفاق أبعد.

المصادر: أرقام- بلومبرج- فاينانشال تايمز- إنفستوبيديا- وول ستريت جورنال- ذي إيكونوميك تايمز- ماركت ووتش

اقرأ الخبر من المصدر

مختارات التحليل والأخبار الأقتصادية

أخر الأخبار

- Advertisement -spot_img

‏بين الانضباط والمخاطرة .. سر البقاء في مواجهة تقلبات الأسواق

الكاتب:

{pubdate}

تشبه تحركات أسواق المال حركة البحار؛ التي تشهد موجات هادئة أحيانًا وعواصف هادرة في أحيان أخرى.

فالأسواق ليست مجرد أرقام تتحرك على شاشات؛ إنها مسرح صراع دائم بين الخوف من الخسارة والرغبة في الحصول على المكاسب، بين الانضباط والانفلات، بين من ينهار مع أول موجة ومن يحوّل العاصفة إلى فرصة.

وبين مدّ الذعر وجزر الطمع، يجد المستثمر نفسه أمام اختبار دائم بين الالتزام بالقواعد تارة والإبحار بجرأة نحو الفرص وسط العواصف تارة أخرى.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

وتشهد البورصات مشهدًا مألوفًا لدى المتداولين، وهو انهيارات مدوّية تعقبها انتعاشات مذهلة، وخلال هذا المشهد يسقط كثير من الضحايا، بينما تنجح قلّة نادرة في البقاء، والازدهار، ليبرز سؤال واحد هو كيف يمكن أن أكون من بين تلك الفئة القليلة؟

الجواب لا يكمن في التنبؤ بالمستقبل أو ملاحقة كل موجة، بل في معادلة دقيقة تتكوّن من انضباط راسخ كالجذور ومخاطرة محسوبة بدقة، حيث يصبح المستثمر أشبه بقبطان يوازن بين ثبات السفينة ومجاراة الرياح.

الانضباط مرسى آمن وقت العواصف

الانضباط ليس مجرد سلوك مثالي، بل هو صمّام الأمان للاستثمارات، حيث يشير تحليل إنفستوبيديا إلى أن التصرّفات الانفعالية – مثل البيع السريع أثناء الهبوط أو محاولة توقيت السوق – غالبًا ما تُضعف قدرة المستثمر على التعافي لاحقًا.

هذا ما أكّده أيضًا “بيل جروس” الملقب بملك السندات، في تصريح له خلال وقت سابق من العام الحالي حين حذّر من الإفراط في تطبيق استراتيجية “شراء التراجع”.

وتقوم هذه الاستراتيجية على فكرة أنه عندما ينخفض سعر أصل ما، يعتبر بعض المستثمرين أن هذا الهبوط مؤقت ضمن اتجاه صاعد طويل الأمد، فيستغلونه كفرصة لشرائه بسعر أقل، على أمل أن يعود السعر للارتفاع لاحقًا.

واعتبر “جروس” أن بعض الانخفاضات لا تمثل تصحيحًا قصير الأمد، بل تحوّلًا اقتصاديًا أوسع، لذلك، أوصى بالميل إلى الأصول الآمنة مثل الأسهم المحلية المستقرة ذات توزيعات الأرباح الجذابة والاستثمارات النقدية منخفضة المخاطر.

ومع ذلك، فإن الانضباط لا يقتصر على اختيار الأصول فحسب، بل يمتد أيضًا إلى إدارة العواطف حيث أظهر تقرير صادر عن مونينجستار أن المستثمرين الذين وضعوا خططًا استثمارية مسبقة، والتزموا بها خلال تقلبات الأسواق، حققوا عوائد أعلى.

وبحسب التقرير فإن نسبة الارتفاع فاقت 1.5% سنويًا مقارنةً بمن اتخذوا قرارات عشوائية مدفوعة بالخوف أو الطمع.

كذلك، يلعب الانضباط دورًا محوريًا في إدارة التوقيت، ففي أعقاب الانخفاض الحاد لأسعار النفط مطلع 2025، اندفع العديد من المستثمرين إلى بيع أسهم شركات الطاقة بخسائر كبيرة.

لكن من تمسّك باستراتيجيته طويلة الأمد واحتفظ بمراكزه، استفاد من عودة الأسعار للارتفاع خلال الصيف، محققًا مكاسب تجاوزت 20% وفقًا لبيانات بلومبرج.

وفي هذا السياق، يشبّه بعض الخبراء الالتزام بالقواعد ببوصلة القبطان وسط العواصف البحرية، فهي لا تمنع الأمواج من الارتطام بالسفينة، لكنها تضمن أن تظل في المسار الصحيح نحو برّ الأمان.

وهذا ما يميز المستثمر الناجح عن غيره؛ القدرة على تحمّل العاصفة دون الانحراف خلف الانفعالات المؤقتة.

المجازفة بميزان الحكمة

المخاطرة ليست عدوّ المستثمر، بل تمثل في كثير من الأحيان الوجه الآخر للفرص.

ففي تقرير نشرته فايننشال تايمز أوائل 2025، أشار خبراء إلى أن المحافظ التي تتبنى مخاطرة محسوبة عبر تنويع الأصول كانت الأكثر قدرة على امتصاص صدمات الأسواق المتقلبة.

هذا النهج لم يحمِ رأس المال فحسب، بل مكّن المستثمرين من اقتناص موجات الصعود التالية، في وقت خسر فيه من اندفع وراء العواطف جزءًا كبيرًا من ثروته، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في التفريق بين المخاطرة الذكية والمقامرة العشوائية.

مقارنة بين استراتيجيات الاستثمار

الاستراتيجية

المزايا الرئيسة

المخاطر المحتملة

أمثلة على نجاحها

النهج المنضبط

حماية رأس المال، تقليل الانجراف وراء العاطفة، المحافظة على نمو تدريجي.

احتمال تفويت فرص ربح كبيرة في فترات الانتعاش المفاجئ.

صناديق التقاعد طويلة الأجل، وبعض الصناديق السيادية.

النهج المغامر

إمكانية تحقيق مكاسب استثنائية عند استغلال الفرص في توقيت صحيح.

تعرض مرتفع للخسائر الفادحة في حال سوء التقدير أو استمرار التراجع لفترة طويلة.

بعض صناديق التحوط مثل “سيتادل” خلال أزمة كوفيد-19.

النهج المتوازن

مزيج بين الحذر والجرأة، تحقيق عوائد مستقرة مع تحكم نسبي في المخاطر.

يتطلب خبرة عالية ومرونة في تعديل القرارات وفق تغير المعطيات.

بعض المستثمرين المخضرمين مثل هوارد ماركس.

وأوضح تقرير صادر عن جيه بي مورجان أن المستثمرين الذين خصصوا ما بين 5% و10% من محافظهم للأصول عالية المخاطر حققوا عوائد تراكمية أفضل على المدى الطويل، مقارنةً بمن استثمروا إما في المخاطر القصوى أو اكتفوا بالملاذات الآمنة فقط.

وفي المقابل، فإن المخاطرة غير المحسوبة قد تتحول إلى فخ قاتل، ففي انهيار قطاع التكنولوجيا عام 2022، خسر العديد من المستثمرين الأفراد أكثر من نصف محافظهم بسبب تركيزها في أسهم النمو المبالغ في تقييمها.

أما من طبقوا إستراتيجية توزيع المخاطر، فقد تكبدوا خسائر أقل بكثير، وعوضوا معظمها خلال عامين بفضل مرونة أصولهم الأخرى، وفق بيانات نشرتها شبكة سي إن بي سي.

ويؤكد الاقتصاديون أن الحكمة في المجازفة تشبه فن الإبحار، إذ لا يمكن للربان أن يصل إلى وجهته دون مواجهة أمواج البحر.

لكن الفارق بين من ينجو ومن يغرق هو قدرته على تقدير عمق المياه واتجاه الرياح قبل أن يرفع الأشرعة، وهكذا، تصبح المخاطرة أداة قوة وليست تهديدًا، شرط أن تُدار بعقلانية لا بانفعال.

أمثلة حية ودروس من التاريخ

في خضم تقلبات الأسواق، كثيرًا ما يثبت التاريخ أن سلوك المستثمرين تحت الضغط هو العامل الفاصل بين الخسارة والنجاح.

فقد أبرزت وول ستريت جورنال أن جيل المستثمرين من الشباب لا سيما مستخدمي تطبيقات التداول الرقمي، واصلوا الشراء خلال تراجع مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 19% في عام 2022، هذا التدفق من السيولة الفردية أسهم في تسريع ارتداد السوق لاحقًا.

ووفقًا لماركت ووتش، ضخّ المستثمرون الأفراد نحو 50 مليار دولار في البورصة الأمريكية بعد فرض رسوم تجارية جديدة، وهي خطوة بدت مغامرة في حينها، لكنها أثمرت عن ارتداد صعودي بلغت أرباحه قرابة 12% في غضون أشهر قليلة.

في المقابل، أظهر تحليل صادر عن إنفستك ريسيرش أن أولئك الذين تمسكوا بخطط استثمارية ثابتة ولم يستجيبوا لذعر الأسواق، استفادوا من شراء الأصول بأسعار متدنية بينما باعت المؤسسات المالية بكثافة، ما عزز عوائدهم على المدى المتوسط.

هذه الصورة ليست جديدة، فالتاريخ مليء بأمثلة مشابهة، ففي ذروة أزمة 2008، تمكن مدير الصناديق الأمريكي “توم فورستر” من تجنب الانهيارات الكبرى عبر التركيز على الشركات ذات القيمة العالية والتمسك برؤية طويلة الأمد، ليخرج بأداء يفوق أقرانه.

أما المستثمر الأسطوري “جون تمبلتون” فقد جسّد القاعدة الذهبية: “اشترِ حين يسود الذعر”، إذ أقدم عام 1939، في خضم الكساد الكبير، على شراء مئات الأسهم بأقل من دولار واحد للسهم، ليحقق لاحقًا ثروة ضخمة مع عودة الأسواق إلى مسارها.

ومن الأمثلة الحديثة، يبرز نجاح بعض المستثمرين في جائحة كوفيد-19 عام 2020، حين تهاوت الأسواق العالمية بأكثر من 30% في أسابيع قليلة حيث سارع الكثيرون إلى البيع بدافع الخوف.

لكن المستثمرين الذين تحلّوا بالجرأة مثل صندوق التحوط سيتادل استغلوا الانخفاضات لبناء مراكز استراتيجية، ليحققوا مكاسب استثنائية مع عودة الأسواق إلى مستوياتها القياسية في العام التالي.

التوازن سر البقاء

يتطلب البقاء والنجاح مزيجًا متوازنًا بين عنصري الانضباط والمخاطرة، فالأول وحده قد يحرم المستثمر من فرص ثمينة، والاعتماد على العنصر الثاني بشكل عشوائي قد يدفعه إلى الانهيار.

ويبرهن التاريخ المالي أن النجاة في الأسواق لم تكن يومًا حكرًا على من يتفادون المخاطر تمامًا، ولا على من يندفعون وراءها بلا حساب، بل على من يملكون القدرة على التكيف مع العواصف، واغتنام الانعطافات الكبرى بقرارات محسوبة.

فالمستثمر الناجح لا يكتفي بالانضباط الصارم، ولا ينجرف وراء الجرأة المطلقة، بل يمزج بين الاثنين بحكمة.

وكما لخّص المستثمر المخضرم “هوارد ماركس” في مقولته: “النجاح في الاستثمار لا يقوم على التنبؤ بالمستقبل بدقة، بل على الاستعداد لكل السيناريوهات الممكنة”.

في النهاية، ليست الأسواق ميدانًا للبقاء للأقوى، بل للأكثر حكمة في موازنة الانضباط مع الجرأة؛ فالمجازفة إن وُضعت على ميزان الحكمة، تتحول من تهديد إلى فرصة، ومن عاصفة إلى ريحٍ تدفع السفينة نحو آفاق أبعد.

المصادر: أرقام- بلومبرج- فاينانشال تايمز- إنفستوبيديا- وول ستريت جورنال- ذي إيكونوميك تايمز- ماركت ووتش

اقرأ الخبر من المصدر

Must Read

- Advertisement -spot_img

Editor Picks

هل تحتاج مساعدة لاختيار الباقة الأنسب لك؟