تقسيم الأسهم: فرصة حقيقية أم مجرد وهْم نفسي؟
الكاتب:
{pubdate}
يُعد تقسيم الأسهمأداة استراتيجيةتستخدمها الشركات لتحقيق عدة أهداف، من أبرزها جعل السهم أكثر جاذبية لصغار المستثمرين، خاصة في ظل الاعتقاد السائد بأن السهم الأرخص نسبيًا يُنظر إليه كفرصة استثمارية أكبر. فبدلاً من شراء سهم واحد بسعر مرتفع، يمكن للمستثمر شراء عدة أسهم بسعر أقل، ما يمنحه شعورًا أكبر بالتحكم والمرونة.
وعندما تنخفض القيمة الاسمية للسهم بعد التقسيم، تزداد إمكانية تداوله بين عدد أكبر من المستثمرين.ويُحقق هذا التوسع في قاعدة المساهمين فائدتين رئيسيتين: الأولى تقليل حدة التقلبات السعرية الناتجة عن تداولات كبار المستثمرين، والثانية منح الشركة حرية أكبر في اتخاذ قراراتها دون ضغوط مباشرة من كبار الملاك.
50 مقابل 1
من أبرز الشركات التي خضعت لتقسيم أسهمها في الفترة الماضية شركة “شيبوتلي”، التي تدير سلسلة مطاعم للأكل المكسيكي، وهي سلسلة ضخمة تضم حوالي 3800 فرع في الولايات المتحدة، ويعمل بها أكثر من 130 ألف موظف.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وفي 26 يونيو 2024، دخل تقسيم سهم “شيبوتلي” إلى خمسين حيّز التنفيذ، وهو أول تقسيم في تاريخ الشركة منذ تأسيسها قبل أكثر من 30 عامًا.وقد أدى هذا القرار إلى تحويل السهم، الذي كان يُتداول عند مستوى 3,283 دولارًا، إلى 50 سهمًا بقيمة تقارب 65 دولارًا للسهم الواحد.
في ذلك الوقت، صرّح المدير المالي للشركة “جاك هارتونغ” بأن الهدف من هذا التقسيم هو “جعل الأسهم أكثر سهولة للوصول من قبل الموظفين والمستثمرين على حد سواء”، معتبرًا أن السعر المرتفع كان يشكّل حاجزًا نفسيًا أمام المستثمرين الأفراد، خصوصًا أولئك الذين يستخدمون تطبيقات تداول لا تدعم الاستثمار الجزئي.
وأشار “هارتونغ” إلى أن التقسيم أتاح لهؤلاء فرصة امتلاك السهم الكامل، وهو ما يعزز قاعدة المساهمين ويزيد من سيولة السهم في السوق.
عقب الإعلان عن التقسيم، ارتفع سهم “شيبوتلي” بنسبة 3.5% خلال أسبوع، وهو ما اعتبره المحللون إشارة إلى ثقة السوق في مستقبل الشركة وتقبّل جيد لقرارها بتقسيم السهم على نطاق واسع.
انخفاض لاحق
ولم يكن التقسيم مجرد خطوة مالية، بل حمل أيضًا بُعدًا معنويًا للموظفين، حيث أعلنت الشركة عن منح أسهم مجانية لحوالي 4,000 موظف، من بينهم مدراء فروع وأفراد من طاقم العمل ممن لديهم أكثر من 20 عامًا من الخدمة، في خطوة تعكس رغبة الشركة في تعزيز الولاء وتحفيز الأداء من خلال إشراك الموظفين في ملكية الشركة.
وعند تنفيذ تقسيم سهم “شيبوتلي”، اعتبر العديد من المحللين الماليين أن الخطوة لم تكن شكلية، بل استراتيجية تهدف إلى تعزيز جاذبية السهم، وتحفيز الموظفين، وتوسيع قاعدة المستثمرين.
ولكن، وبعد مرور عام كامل على قرار التقسيم، لم يرتفع سهم الشركة، بل انخفض بنسبة 13% خلال العام، وذلك بعد تلاشي الأثر الأولي للتقسيم وإعادة تقييم الشركة وأساسياتها، ما أدى إلى هذا التراجع.
ومن أبرز العوامل التي أثارت قلق المستثمرين ارتفاع مضاعف ربحية الشركة،الذي بلغ أكثر من 52 وقت التقسيم، وهو معدل مرتفع جدًا في قطاع الأغذية والمشروبات، لا سيما أن شركة مثل “ماكدونالدز” بلغ مضاعف ربحيتها في نفس الفترة 26، و”كوكاكولا” 28، ما يشير إلىتضخم واضح في تقييم سهم “شيبوتلي”.
وكانت شركة “أمازون” من أبرز الشركات التي استخدمت تقسيم الأسهم كأداة استراتيجية. ففي منتصف عام 2022، أعلنت عن تقسيم سهمها بنسبة 20 إلى 1، وهي خطوة اعتبرها محللون تحولًا رمزيًا من كونها “شركة كل شيء” إلى “شركة لكل شخص”.
وكان الهدف من هذا التحرك واضحًا: توسيع قاعدة المساهمين، وجعل السهم أكثر جاذبية لصغار المستثمرين بعد أن أصبح سعره مرتفعًا جدًا، ما جعله بعيد المنال عن شريحة واسعة من المستثمرين الأفراد.
أهداف متعددة للتقسيم
ويشرح مايكل باشتر، المحلل المالي في شركة “ويبوش سيكيوريتيز”، أن سعر سهم أمازون قبل التقسيم كان يتجاوز 2500 دولار، ما شكّل عائقًا أمام المستثمرين الأفراد ذوي رؤوس الأموال المحدودة.
وأضاف أن من يملك 10 آلاف دولار فقط، لن يغامر بوضعها كلها في بضعة أسهم.لكن بعد التقسيم، انخفض السعر إلى نحو 125 دولارًا، ما أتاح للمستثمرين شراء أسهم بألف دولار أو أقل، وهو ما ساهم في زيادة السيولة وتحفيز الطلب.
وقد بلغ سعر السهم 226 دولارًا في منتصف عام 2025، ما يشير إلى ارتفاع بنسبة 80%. فهل كان تقسيم السهم هو العامل المؤثر؟ يصعب الجزم بذلك، خاصة مع تحسن نتائج أعمال الشركة في تلك الفترة، لا سيما في عام 2024، الذي شهد تحقيق أرباح قاربت 60 مليار دولار، بزيادة تقارب 95% عن عام 2023.
ففي أعقاب التقسيم، بدأ سهم أمازون يتداول في نطاق سعري قريب من شركات كبرى في قطاع التكنولوجيا مثل “أبل” و”مايكروسوفت”، حيث تراوح بين 120 و150 دولارًا خلال عام 2023، قبل أن يرتفع لاحقًا، ويُعتقد أن هذه الخطوة ساهمت في تعزيز جاذبية السهم لدى المستثمرين الأفراد، الذين غالبًا ما يقارنون بين الأسهم داخل القطاع ذاته.
وإلى جانب توسيع قاعدة المستثمرين، ساهم تقسيم السهم في تحسين صورة الشركة، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة بشأن ظروف العمل داخلها.وقد ساعد توزيع الأسهم على الموظفين بعد التقسيم في تهدئة بعض هذه الانتقادات، وخلق شعور أكبر بالانتماء داخل المؤسسة.
تجدر الإشارة إلى أن تقسيم الأسهم ليس جديدًا على أمازون، فقد قامت بثلاث عمليات تقسيم في عامي 1998 و1999، بعد عام واحد فقط من إدراجها في بورصة “ناسداك” عام 1997. لكنها توقفت عن هذه الممارسة لمدة 23 عامًا، قبل أن تعود إليها في 2022، في خطوة تعكس تغيرًا في فلسفة الشركة تجاه السوق والمستثمرين.
ممارسة شائعة في قطاع التكنولوجيا
أما شركة “أبل”، فقد قامت بخمس عمليات تقسيم أسهم في تاريخها، كان أحدثها بنسبة 4 مقابل 1 في أغسطس 2020، حين كان سعر السهم يبلغ 435 دولارًا، وهو ما اعتبرته الشركة حاجزًا نفسيًا أمام المستثمرين الجدد.
بعد التقسيم، أصبح السهم يُتداول بسعر يقارب 106 دولارات، ما جعله في متناول شريحة أوسع من المستثمرين، وساهم في زيادة السيولة في السوق، ورفع حجم التداول اليومي، وهو ما انعكس إيجابًا على القيمة السوقية لاحقًا.
والشاهد أن شركات مثل “ألفابت”، و”إنفيديا”، و”تسلا”، و”وول مارت”، وغيرها، لجأت أيضًا إلى تقسيم الأسهم للأسباب نفسها التي دفعت “أمازون”، و”شيبوتلي”، و”أبل” إلى ذلك. وتشير “أماندا هولدن”، المستشارة المالية، إلى أن تقسيم الأسهم لا يغيّر من القيمة السوقية للشركة، لكنه يخلق “وهمًا نفسيًا” بأن السهم أصبح أرخص، ما يحفّز الطلب عليه.
لكن “هولدن” تضيف أنه مع انتشار الاستثمار الجزئي، قد تقل أهمية تقسيم الأسهم مستقبلاً، إلا أن تأثيره النفسي لا يزال قويًا، خصوصًا في الأسواق التي يهيمن عليها المستثمرون الأفراد.
نموذج مضاد
وفي مقابل هذه المزايا، يرى محللون أن التقسيم قد يفتح الباب أمام مزيد من التقلبات في سعر السهم، نظرًا لانخفاض سعره الاسمي وزيادة عدد المتداولين الأفراد. بل وقد يؤدي في بعض الحالات إلى تحول بعض الشركات الصغيرة إلى “أسهم ميم”، ما لم يتم التقسيم بعقلانية ووفق أسس مالية قوية.
ولعل هذا ما يدفع شركة “بيركشاير هاثاواي” للاحتفاظ بنوعين من الأسهم: “إيه” (A) و”بي” (B)، أو “أ” و”ب”، بينهما فروق جوهرية تتمثل أساسًا في حقوق التصويت والسعر، رغم أنهما يمثلان حصصًا في نفس الشركة.
فأسهم الفئة “أ” تمنح مالكها حقوق تصويت كاملة، حيث يمثل كل سهم صوتًا واحدًا. أما أسهم الفئة “ب”، فتوفر حقوق تصويت أقل بكثير، إذ يعادل كل سهم منها واحدًا من عشرة آلاف (1/10,000) من صوت واحد فقط.
وعلى الرغم من أن أسهم الفئة “أ” تُتداول بأسعار مرتفعة جدًا (فوق مستوى 700 ألف دولار للسهم في نهاية الأسبوع الثاني من يوليو 2025)، فإن سهم الفئة “ب” يعادل 1/1500 من قيمة سهم الفئة “أ”، ما يجعله أكثر سهولة للوصول من قبل المستثمرين الأفراد، دون التضحية بإمكانية النمو على المدى الطويل.
والفارق الذي تقرّه الشركة هنا يأتي في إطار سعيها لاستقطاب نوعية مختلفة من المستثمرين تركز على النمو طويل المدى، فهي لا تسعى لتوسيع قاعدة المصوتين، بل لاستقطاب مستثمرين أكثر خبرة ودراية.
المصادر: أرقام- سي إن بي سي- بلومبرغ- فوربس- وول ستريت جورنال- فورتشن.