رحلات بلا توقف .. من يربح سباق الطيران فائق المدى؟
الكاتب:
{pubdate}
كان رجل الأعمال “آدم ميلر” يحتاج عادةً نحو يومين كاملين للوصول من نيويورك إلى سنغافورة، بسبب توقفاته المتعددة في رحلات الطيران التقليدية.
وحينما أعلنت الخطوط الجوية السنغافورية أنها دشنت رحلات مباشرة بين سنغافورة ونيويورك سعد “ميلر” كثيرًا بهذا الإعلان وقرر خوض تجربة الرحلات الطويلة جدًا التي لا تحتاج إلى توقف، وكان أمرًا مذهلًا له أن الرحلة لم تستغرق سوى 19 ساعة.
بالنسبة لـ”ميلر” كان هذا الاختصار في الوقت تجربة مذهلة رغم ارتفاع تكلفة التذكرة مقارنة بما كان يدفعه في السابق، إلا أنه تمكن من الوصول سريعًا لعقد اجتماعاته المهمة، وتفادى الإرهاق الناتج عن التنقل الطويل والتوقفات المتكررة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
هذه التجربة جعلت “ميلر” وغيره من المسافرين الذين كانوا يقصدون وجهات بعيدة، يتمسكون بتلك النوعية من الرحلات التي تعكس حجم التطور بصناعة الطيران في جعل العالم أصغر وأكثر ارتباطًا، لتصبح تلك الرحلات جزءًا متناميًا من السوق، مع تغير طلبات المسافرين.
أطول الرحلات غير المتوقفة حاليًا
حتى العام الحالي تظل خطوط سنغافورة الجوية تحتفظ بلقب أطول رحلة تجارية غير متوقفة في العالم.
وتمتد الرحلة من مطار جون إف. كينيدي في نيويورك إلى مطار شانغي في سنغافورة لمسافة تصل إلى أكثر من 15 ألف كيلومتر (9537 ميلًا)، وتستغرق حوالي 18 ساعة و40 دقيقة.
ويتراوح سعر تلك الرحلة في درجة رجال الأعمال ما بين 5 و8 آلاف دولار أمريكي للذهاب والإياب، بحسب توقيت الحجز، وتوافر المقاعد حيث تسير هذه الرحلة بطائرة إيرباص من طراز A350-900ULR، وهي مصممة خصيصًا للرحلات الطويلة جدًا.
كما تتضمن قائمة أطول رحلات طيران بلا توقف رحلة الدوحة إلى أوكلاند، وهي أطول رحلة مجدولة لخطوط الطيران القطرية، وتزيد مسافتها عن 9 آلاف ميل، وتربط الشرق الأوسط بنيوزيلندا.
وتظهر بيانات تجميعية أن متوسط سعر رحلة ذهاب وعودة على درجة رجال الأعمال بين الدوحة وأوكلاند يبلغ نحو 6400 دولار أمريكي.
إضافةً إلى ذلك، تُعد رحلة دالاس إلى سيدني التي تُشغّلها شركة كانتاس واحدة من أطول الرحلات التجارية غير المتوقفة، وتمتد مسافتها حوالي 8580 ميلًا.
كما لدى شركة كانتاس برهانًا طموحًا لربط سيدني مباشرةً بلندن ونيويورك بطائرات معدّلة من طراز A350-1000.
ولاقى المشروع اهتمامًا كبيرًا لكنّه أيضاً واجه تأخيرات تنظيمية وتجهيزات تقنية (مثل متطلبات إعادة تصميم خزان وقود إضافي) وهو ما أدى لتأجيلات في تسليم الطائرات، مع توقعات لإطلاق العمليات المباشرة في عام 2027 بحسب تصريحات رسمية.
وتمثل هذه الرحلات الاتجاه المتزايد نحو ربط المدن البعيدة مباشرة، مما يقلل زمن السفر ويعزز راحة المسافرين.
التقدم التكنولوجي يدعم الرحلات الطويلة
يعتمد تشغيل الرحلات الطويلة جدًا على التقدم في تصميم الطائرات والتكنولوجيا حيث تتصدر الطائرات الحديثة مثل إيرباص A350 وبوينغ 787 دريملاينر هذا التطور.
وزودت هذه الطائرات بمحركات فعالة، ومواد خفيفة الوزن، وتصاميم هوائية تسمح لها بتغطية مسافات شاسعة مع الحفاظ على كفاءة الوقود وراحة الركاب في الوقت نفسه.
على سبيل المثال، تحسن أداء طائرة إيرباص A350-900ULR للسفر لمسافات طويلة، مع زيادة سعة الوقود وتطور الانسيابية لديها، بالمثل، تحتوي بوينج 787 دريملاينر على مواد وأنظمة متقدمة تساهم في زيادة مدى الطيران.
وفي قطاع الطيران الخاص، تتميز طائرة بومباردييه جلوبال 8000 بأنها أطول طائرة خاصة من حيث المدى، إذ إنها قادرة على الطيران لمسافة 8 آلاف ميل بحري (14,816 كيلومترًا) بدون توقف.
وتجمع هذه الطائرة بين الفخامة والأداء، وتصل سرعتها القصوى إلى نحو 1161 كم/ساعة، مع ميزات اتصال متقدمة، مما يجعلها خيارًا مفضلًا للسفر الخاص لمسافات طويلة جدًا.
تحديات أمام مستقبل الرحلات الطويلة
رغم المستقبل الواعد للطيران طويل المدى إلا أن هناك العديد من التحديات التي تقف في مسار انتشاره ولعل التحدي التقني هو أبرز تلك التحديات إذ إن إضافة وقود يكفي لرحلة تزيد عن 10 ساعات تعني وزنًا إضافيًا عند الإقلاع.
ويؤثر هذا الوزن على اقتصاد استهلاك الوقود وأسلوب التشغيل؛ لذلك يتطلب الأمر تعديلات تصميمية معقدة في ملحقات الطائرة مثل خزان الوقود المركزي إضافة إلى الخضوع لموافقات هيئات السلامة وعمليات الاختبار الشاقة قبل التسليم.
كما أن الصيانة والاحتياطات التشغيلية مثل مطارات بديلة للطوارئ، تواجد طواقم احتياطية، قيود الهبوط والإقلاع يزيد من تكلفة تلك الرحلات.
يتمثل التحدي الثاني في تكلفة التشغيل بجانب راحة الركاب (مثل المصاعب الصحية للجلوس الطويل، واضطرابات النوم، ومخاطر جلطات)، وبالتالي يتطلب هذا الأمر التوازن بين توفير مقصورات مريحة وتحسين خدمات الضيافة والحفاظ على المكاسب المادية.
وتصل تكلفة الطائرات المجهزة لتسير لمسافات طويلة إلى أكثر من 300 مليون دولار أمريكي، فالسعر الرسمي لطائرة A350-900 في قائمة إيرباص يبلغ نحو 317.4 مليون دولار أمريكي.
لذا تسعى الشركات لتوفير أكبر عدد من المقاعد داخل تلك النوعية من الطائرات وتحقيق كلفة تشغيلية مناسبة تكسبها ميزة تنافسية، وهو ما يتطلب إشغالًا كافيًا وفئات سعرية مرتفعة لتغطية التكلفة الإضافية للوقود والصيانة.
ومن بين التحديات أيضًا الجانب البيئي إذ أن الرحلات الطويلة تمثل شريحة صغيرة من الرحلات لكنها تسهم بنسبة كبيرة من الانبعاثات على مستوى الطيران.
فرحلة واحدة من سنغافورة إلى نيويورك (قرابة 19 ساعة) تولّد نحو 2.8 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل راكب على الدرجة الاقتصادية، أي ما يعادل تقريبًا الانبعاثات السنوية لسيارة متوسطة في أوروبا.
كما تشير الدراسات إلى أن الرحلات الجوية الطويلة (أكثر من 6,000 كم) تمثّل أقل من 6% من إجمالي الرحلات عالميًا، لكنها مسؤولة عن أكثر من 20% من انبعاثات قطاع الطيران.
من يفوز في المستقبل؟
تعمل العديد من شركات الطيران على توسيع شبكاتها للرحلات الطويلة جدًا، وكل منها يعتمد استراتيجيات مختلفة للسيطرة على هذا السوق المتخصص.
فالخطوط الجوية السنغافورية تواصل قيادة السوق عبر شبكتها الواسعة من الرحلات لمسافات طويلة، بما في ذلك أطول الرحلات غير المتوقفة في العالم.
كما أن الخطوط الجوية القطرية تقدم بعض أطول الرحلات في العالم، موصلة الشرق الأوسط بوجهات في آسيا والمحيط الهادئ.
إلى جانب تلك الشركتين هناك شركات أخرى تعمل على التواجد بقوة في هذا القطاع من بينها شركة كانتاس حيث توسع شركة الطيران الأسترالية عروضها للرحلات الطويلة جدًا، مثل رحلة دالاس إلى سيدني، ولديها خطط لرحلات غير متوقفة إلى لندن ونيويورك من سيدني.
كما انضمت مؤخرًا شركة يونايتد إيرلاينز إلى شركات الطيران التي تعيد تشكيل مساراتها الطويلة جدًا، مما يعزز شبكة رحلاتها وخيارات السفر.
ولا تركز هذه الشركات على المسافة فقط، بل تسعى أيضًا لتعزيز تجربة المسافر، من خلال توفير مقاعد قابلة للتمدد، وتحسين وسائل الترفيه على متن الطائرة، وتقديم وجبات راقية لجعل الرحلات الطويلة أكثر راحة.
لكنّ النتيجة الحاسمة لن تُقاس فقط بمن يطير أبعد، بل بمن يطير بكلفة مستدامة وبيئية مقبولة ويحافظ على تجربة ركاب متميزة.
وينظر إلى مستقبل الطيران طويل المدى باعتباره واعدًا حيث تقوم شركات الطيران باستمرار بتقييم مسارات جديدة يمكن خدمتها بواسطة الطائرات الحديثة، بهدف تلبية الطلب المتزايد على السفر الدولي المباشر.
ومع ذلك، يظل هناك تحديات عديدة تحتاج إلى معالجة مثل تلك المتعلقة بالضوضاء، وكفاءة الوقود، وجاهزية البنية التحتية قبل أن تصبح هذه الطائرات أكثر انتشارًا.
في النهاية، لا يُعد سباق الطيران لمسافات طويلة مجرد منافسة بين شركات تبحث عن الأسبقية، بل هو اختبار لحدود قدرة الإنسان والتكنولوجيا على تقليص المسافات وإعادة تعريف مفهوم السفر.
المصادر: أرقام- موقع شركة بومباردييه- بيزنس ترافلير- ابجريد بوينتس- سمبيل فلاينج- بوينج- رويترز