Fx Forsa

الرئيسيةالأخبار الأقتصادية‏رحلة في فكرة .. جاري بيكر وعقل اقتصادي ثوري وضع سعرًا لكل...

‏رحلة في فكرة .. جاري بيكر وعقل اقتصادي ثوري وضع سعرًا لكل شيء

-

‏رحلة في فكرة .. جاري بيكر وعقل اقتصادي ثوري وضع سعرًا لكل شيء

الكاتب:

{pubdate}

– هل تتخذ قرار الزواج بنفس المنطق الذي تشتري به سيارة؟ وهل يرتكب المجرم جريمته بناءً على حسابات دقيقة للتكلفة والعائد؟

– قد تبدو هذه الأسئلة صادمة، لكنها تمثل حجر الزاوية في الثورة الفكرية التي قادها الاقتصادي الأمريكي جاري بيكر، الحائز على جائزة نوبل عام 1992، والذي لم يترك جانبًا من جوانب السلوك الإنساني إلا واخترقه بعدسته الاقتصادية الصارمة.

– لم يكن بيكر مجرد اقتصادي، بل كان أشبه بـ “مفكر إمبريالي” وسّع حدود إمبراطورية علم الاقتصاد لتغزو أراضٍ كانت حكرًا على علم الاجتماع والنفس والجريمة.

– تجرأ بيكر على تطبيق منطق المصلحة الذاتية والخيارات العقلانية على أكثر قراراتنا حميمية وتعقيدًا، ليقدم للعالم رؤية جديدة ومثيرة للجدل حول طبيعة الإنسان.

الفرضية الجريئة: الإنسان كائن اقتصادي في كل وقت وحين

– وُلد جاري بيكر في بنسلفانيا عام 1930، وتخرج من جامعتي برينستون وشيكاجو، ليصبح أحد أبرز أعمدة “مدرسة شيكاجو” الاقتصادية الشهيرة.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

– كانت فرضيته المحورية بسيطة في ظاهرها، لكنها تُعد زلزالًا فكريًا: إن السلوك البشري، في مجمله، ليس إلا سلسلة من القرارات التي يتخذها الأفراد لتعظيم منافعهم وتقليل تكاليفهم.

– لا تحكم هذه “الأنانية العقلانية” قراراتنا في السوق فحسب، بل تمتد لتشمل من نحب، وكيف نربي أطفالنا، وحتى ما إذا كنا سنلتزم بالقانون أم لا.

اقتصاد الحياة: عندما تدخل الأرقام إلى المنزل والمجتمع

– انطلق بيكر، مسلحًا بهذه الفرضية، ليحلل الظواهر الاجتماعية التي لم يجرؤ اقتصادي قبله على الاقتراب منها:

-الأسرة باعتبارها “مصنع صغير”: في رؤيته الثورية، لم تعد الأسرة مجرد وحدة عاطفية، بل أصبحت “مصنعًا” ينتج سلعًا حيوية مثل الوجبات ورعاية الأطفال. وهكذا أصبحت قرارات مثل الزواج والطلاق وعدد الأبناء خاضعة لحسابات الإنتاج والتخصص، حيث يبحث كل طرف عن شريك “يكمل” مهاراته لزيادة “إنتاجية” الأسرة.

-التعليم بوصفه “رأس مال بشري”: كان بيكر رائدًا في نظرية “رأس المال البشري”، حيث جادل بأن استثمار الفرد في تعليمه وتدريبه لا يختلف جوهريًا عن استثمار شركة في آلات جديدة. إذ يهدف كلاهما إلى زيادة الإنتاجية والعائد في المستقبل، محولاً التعليم من مجرد فعل ثقافي إلى استثمار اقتصادي بحت.

-التمييز العنصري له ثمن باهظ: في أطروحته للدكتوراه، أثبت بيكر رياضيًا أن التمييز العنصري في سوق العمل ليس مجرد خطيئة أخلاقية، بل هو حماقة اقتصادية. فالتمييز يضر بصاحب العمل الذي يمارسه، لأنه يقلل من مجموعة المواهب المتاحة له، ويكبده تكاليف إضافية، ويضعف قدرته على المنافسة. ببساطة، الكراهية لها ثمن.

المناطق المحرمة: تشريح الجريمة وسوق الأعضاء

لم يتوقف بيكر عند هذا الحد، بل اقتحم بجرأة أكثر المناطق المحرمة فكريًا:

-المجرم العقلاني: في نظريته عن الجريمة والعقاب، جرّد بيكر المجرم من أي دوافع نفسية أو اجتماعية معقدة، ورآه كأي فاعل اقتصادي آخر. فالمجرم، حسب بيكر، يتخذ قراره بارتكاب الجريمة بعد موازنة دقيقة بين الغنيمة المتوقعة واحتمالية القبض عليه وشدة العقوبة. وبناءً على ذلك، استنتج أن زيادة الغرامات وتشديد العقوبات قد تكون وسيلة أكثر كفاءة وأقل تكلفة لمنع الجريمة من برامج الوقاية والمراقبة المكلفة.

-سوق لإنقاذ الأرواح: في واحدة من أكثر أطروحاته إثارة للجدل، اقترح بيكر أن النقص المزمن في الأعضاء البشرية المتبرع بها يمكن حله عبر إنشاء سوق منظمة وخاضعة للرقابة. رأى أن الحظر المفروض على تعويض المتبرعين هو السبب الرئيسي في المشكلة، وأن السماح بوجود حوافز مادية يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح سنويًا.

إرث لا يُمحى: الاقتصادي الذي أعاد تعريف الإنسان

– طوال مسيرته الحافلة التي تُوّجت بجائزة نوبل ووسام الحرية الرئاسي، ظل جاري بيكر شخصية مثيرة للجدل.

– اتهمه منتقدوه باختزال السلوك الإنساني المعقد في معادلات رياضية باردة، بينما رأى فيه أنصاره مفكرًا عبقريًا منحنا أدوات جديدة وقوية لفهم عالمنا.

– رحل بيكر في عام 2014، لكن إرثه باقٍ. وبفضله، لم يعد ممكنًا النظر إلى قراراتنا اليومية -من الزواج إلى العمل، ومن التعليم إلى الالتزام بالقانون- دون أن نرى، ولو قليلًا، تلك اليد الخفية للحسابات الاقتصادية التي شكّلت جوهر رؤيته الثورية للإنسان.

المصدر: الموسوعة البريطانية، إنفستوبيديا

اقرأ الخبر من المصدر

مختارات التحليل والأخبار الأقتصادية

أخر الأخبار

- Advertisement -spot_img

‏رحلة في فكرة .. جاري بيكر وعقل اقتصادي ثوري وضع سعرًا لكل شيء

الكاتب:

{pubdate}

– هل تتخذ قرار الزواج بنفس المنطق الذي تشتري به سيارة؟ وهل يرتكب المجرم جريمته بناءً على حسابات دقيقة للتكلفة والعائد؟

– قد تبدو هذه الأسئلة صادمة، لكنها تمثل حجر الزاوية في الثورة الفكرية التي قادها الاقتصادي الأمريكي جاري بيكر، الحائز على جائزة نوبل عام 1992، والذي لم يترك جانبًا من جوانب السلوك الإنساني إلا واخترقه بعدسته الاقتصادية الصارمة.

– لم يكن بيكر مجرد اقتصادي، بل كان أشبه بـ “مفكر إمبريالي” وسّع حدود إمبراطورية علم الاقتصاد لتغزو أراضٍ كانت حكرًا على علم الاجتماع والنفس والجريمة.

– تجرأ بيكر على تطبيق منطق المصلحة الذاتية والخيارات العقلانية على أكثر قراراتنا حميمية وتعقيدًا، ليقدم للعالم رؤية جديدة ومثيرة للجدل حول طبيعة الإنسان.

الفرضية الجريئة: الإنسان كائن اقتصادي في كل وقت وحين

– وُلد جاري بيكر في بنسلفانيا عام 1930، وتخرج من جامعتي برينستون وشيكاجو، ليصبح أحد أبرز أعمدة “مدرسة شيكاجو” الاقتصادية الشهيرة.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

– كانت فرضيته المحورية بسيطة في ظاهرها، لكنها تُعد زلزالًا فكريًا: إن السلوك البشري، في مجمله، ليس إلا سلسلة من القرارات التي يتخذها الأفراد لتعظيم منافعهم وتقليل تكاليفهم.

– لا تحكم هذه “الأنانية العقلانية” قراراتنا في السوق فحسب، بل تمتد لتشمل من نحب، وكيف نربي أطفالنا، وحتى ما إذا كنا سنلتزم بالقانون أم لا.

اقتصاد الحياة: عندما تدخل الأرقام إلى المنزل والمجتمع

– انطلق بيكر، مسلحًا بهذه الفرضية، ليحلل الظواهر الاجتماعية التي لم يجرؤ اقتصادي قبله على الاقتراب منها:

-الأسرة باعتبارها “مصنع صغير”: في رؤيته الثورية، لم تعد الأسرة مجرد وحدة عاطفية، بل أصبحت “مصنعًا” ينتج سلعًا حيوية مثل الوجبات ورعاية الأطفال. وهكذا أصبحت قرارات مثل الزواج والطلاق وعدد الأبناء خاضعة لحسابات الإنتاج والتخصص، حيث يبحث كل طرف عن شريك “يكمل” مهاراته لزيادة “إنتاجية” الأسرة.

-التعليم بوصفه “رأس مال بشري”: كان بيكر رائدًا في نظرية “رأس المال البشري”، حيث جادل بأن استثمار الفرد في تعليمه وتدريبه لا يختلف جوهريًا عن استثمار شركة في آلات جديدة. إذ يهدف كلاهما إلى زيادة الإنتاجية والعائد في المستقبل، محولاً التعليم من مجرد فعل ثقافي إلى استثمار اقتصادي بحت.

-التمييز العنصري له ثمن باهظ: في أطروحته للدكتوراه، أثبت بيكر رياضيًا أن التمييز العنصري في سوق العمل ليس مجرد خطيئة أخلاقية، بل هو حماقة اقتصادية. فالتمييز يضر بصاحب العمل الذي يمارسه، لأنه يقلل من مجموعة المواهب المتاحة له، ويكبده تكاليف إضافية، ويضعف قدرته على المنافسة. ببساطة، الكراهية لها ثمن.

المناطق المحرمة: تشريح الجريمة وسوق الأعضاء

لم يتوقف بيكر عند هذا الحد، بل اقتحم بجرأة أكثر المناطق المحرمة فكريًا:

-المجرم العقلاني: في نظريته عن الجريمة والعقاب، جرّد بيكر المجرم من أي دوافع نفسية أو اجتماعية معقدة، ورآه كأي فاعل اقتصادي آخر. فالمجرم، حسب بيكر، يتخذ قراره بارتكاب الجريمة بعد موازنة دقيقة بين الغنيمة المتوقعة واحتمالية القبض عليه وشدة العقوبة. وبناءً على ذلك، استنتج أن زيادة الغرامات وتشديد العقوبات قد تكون وسيلة أكثر كفاءة وأقل تكلفة لمنع الجريمة من برامج الوقاية والمراقبة المكلفة.

-سوق لإنقاذ الأرواح: في واحدة من أكثر أطروحاته إثارة للجدل، اقترح بيكر أن النقص المزمن في الأعضاء البشرية المتبرع بها يمكن حله عبر إنشاء سوق منظمة وخاضعة للرقابة. رأى أن الحظر المفروض على تعويض المتبرعين هو السبب الرئيسي في المشكلة، وأن السماح بوجود حوافز مادية يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح سنويًا.

إرث لا يُمحى: الاقتصادي الذي أعاد تعريف الإنسان

– طوال مسيرته الحافلة التي تُوّجت بجائزة نوبل ووسام الحرية الرئاسي، ظل جاري بيكر شخصية مثيرة للجدل.

– اتهمه منتقدوه باختزال السلوك الإنساني المعقد في معادلات رياضية باردة، بينما رأى فيه أنصاره مفكرًا عبقريًا منحنا أدوات جديدة وقوية لفهم عالمنا.

– رحل بيكر في عام 2014، لكن إرثه باقٍ. وبفضله، لم يعد ممكنًا النظر إلى قراراتنا اليومية -من الزواج إلى العمل، ومن التعليم إلى الالتزام بالقانون- دون أن نرى، ولو قليلًا، تلك اليد الخفية للحسابات الاقتصادية التي شكّلت جوهر رؤيته الثورية للإنسان.

المصدر: الموسوعة البريطانية، إنفستوبيديا

اقرأ الخبر من المصدر

Must Read

- Advertisement -spot_img

Editor Picks

هل تحتاج مساعدة لاختيار الباقة الأنسب لك؟