عندما ترتفع المؤشرات لكن محفظتك لا تتغير .. من الرابح الحقيقي في سوق الأسهم؟
الكاتب:
{pubdate}
في صباح هادئ من خريف 2024، جلس “جيمس باركر”، موظف التسويق في إحدى شركات العقارات، يحتسي القهوة في المقهى المعتاد له بوسط لندن بينما يتصفح الأخبار، ولفت انتباهه خبر “مؤشر فوتسي 100 يسجل أفضل أداء فصلي منذ 2021.
ابتسم “باركر” وقال في سره: “رائع، هذا يعني أن استثماراتي أخيرًا بدأت تؤتي ثمارها”، ليتوجه بحماسة إلى تطبيق التداول الخاص به.
لكن تلك الابتسامة سرعان ما اهتفت، وتحولت إلى عبوس حين اكتشف أن محفظته التي بدأها قبل عام بدافع تحقيق المكاسب تراوح مكانها.
وتأكد أن الأرقام أمامه لا تحمل أي مفاجآت سارة، فمحفظته تقريبًا كما هي، بعضها في المنطقة الحمراء، وأخرى بالكاد أظهرت نمواً.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وأخذ “باركر” ينظر حوله، وكأنه يبحث عن تفسير، متسائلًا “هل الأخبار تشير إلى سوق مختلفة؟ أم أن هناك من استولى على أرباحه ووضعها في محفظته؟”
المشهد الذي عاشه “باركر” يشبه إلى حد كبير ما يواجهه الكثير من المستثمرين الأفراد، حينما يقرأون عناوين عريضة تتصدرها عبارات مثل “مؤشر إس آند بي 500 يسجل مستويات قياسية” أو “ناسداك يقفز بنسبة 20% منذ بداية العام”.
وللوهلة الأولى تثلج مثل تلك الأخبار قلوب العديد من المستثمرين، ولكن بمجرد دخولهم إلى تطبيق التداول الخاص بمحافظهم، يصطدمون بحقيقة مختلفة تمامًا.
هذا التناقض ليس مجرد مصدر للإحباط، بل يكشف حقيقة مهمة، وهي أن ليس كل من في السوق يركب نفس الموجة، حتى عندما تبدو المكاسب في صالح الجميع.
ارتفاعات المؤشرات ومكاسب محفظتك
المؤشرات مثل إس آند بي 500 و فوتسي 100 وداو جونز تُستخدم عادة كمقياس لأداء السوق بشكل عام، لكنها لا تمثل الجميع بعدالة، فهي مؤشرات مرجّحة بالقيمة السوقية، أي أن الشركات الكبرى ذات القيمة السوقية الضخمة تهيمن على أدائها.
في عام 2024، على سبيل المثال، سبعة أسهم فقط (أبل، مايكروسوفت، إنفيديا، أمازون، ميتا، ألفابت، وتسلا) كانت مسؤولة عن قرابة 60% من مكاسب مؤشر إس آند بي 500، بحسب تقارير جولدمان ساكس وجيه بي مورجان.
ورغم أن مؤشر إس آند بي 500 ارتفع بحوالي 24% في عام 2023، فإن النسخة المتساوية الأوزان من نفس المؤشر -والتي تعطي وزناً متساوياً لكل شركة- ارتفعت فقط بنسبة بلغت نحو 12% وهذا فارق كبير يكشف ضيق قاعدة المكاسب.
لماذا تتخلف عن الركب؟
بعد تحقيق المؤشرات لأرباح قياسية، يدور في ذهن المستثمرين مباشرة سؤال حول لماذا تتخلف محفظتي عن الركب؟، والإجابة ببساطة يعود هذا الأمر إلى ثلاثة أسباب مترابطة.
أول تلك الأسباب هو أنك ربما لا تملك الأسهم الرابحة، فالمستثمرون الأفراد عادةً ما يفضلون التنويع أو اقتناص الأسهم ذات التقييمات “الرخيصة”، لكنها في الغالب لا تكون المحركات الحقيقية لارتفاعات السوق.
فعلى سبيل المثال شهدت قطاعات مثل السلع الاستهلاكية، والعقارات أداءً ضعيفًا في وول ستريت خلال 2023 وبداية 2024 رغم تحقيق المؤشرات الرئيسية لمكاسب خلال تلك الفترة.
وإذا كانت محفظتك تميل نحو أسهم توزيعات الأرباح أو الاستثمارات الدفاعية، فمن المرجح أنك لم تستفد من الزخم الكبير الذي دفع قطاع التكنولوجيا، وتحديدًا شركات الذكاء الاصطناعي، إلى مستويات قياسية.
أكبر 10 قطاعات في مؤشر إس آند بي 500 من حيث الوزن بنهاية مايو 2025
القطاع
وزن القطاع بالمؤشر
تكنولوجيا المعلومات
31.6
القطاع المالي
14.3
السلع الاستهلاكية الترفيهية
10.6
خدمات الاتصالات
9.6
الرعاية الصحية
9.6
القطاع الصناعي
8.7
السلع الاستهلاكية الأساسية
5.9
الطاقة
3
المرافق
2.5
العقارات
2.1
أما العامل الثالث، فيكمن في التوقيت، فكثير من المستثمرين دخلوا السوق في لحظات حماسية، سواء خلال موجات صعود مؤقتة أو بعد ارتفاعات كبيرة، ما جعلهم يشترون بأسعار مرتفعة يصعب معها تحقيق أرباح ملموسة.
فحتى لو كنت تمتلك الأسهم “الصحيحة”، فإن توقيت الشراء هو العامل الحاسم في تحديد ما إذا كنت ستستفيد فعلاً من صعود السوق أم لا.
من هم الرابحون الحقيقيون؟
لكن من هم الرابحون الحقيقيون في هذه السوق الصاعدة؟ بالطبع لن يتمكن كل من استثمر من تحقيق نفس المكاسب، بل سيحقق من استثمر “بالشكل الصحيح” وامتلك الأدوات المناسبة الربح الأكبر.
وفي طليعة المستفيدين نجد مستثمري صناديق المؤشرات، خاصة أولئك الذين التزموا باستراتيجيات طويلة الأجل في صناديق تتبع المؤشرات مباشرة مثل صندوق إس بي واي المرتبط بمؤشر إس آند بي 500 أو صندوق كيو كيو كيو التابع لمؤشر ناسداك.
فمثل هذه الصناديق تستفيد تلقائيًا من صعود أسهم الشركات الكبرى التي تهيمن على المؤشر، ومع ذلك، فإن الصورة ليست وردية للجميع؛ فالمستثمرون الذين اختاروا صناديق قطاعية أو متساوية الأوزان، قد جنوا مكاسب محدودة مقارنة بالمؤشرات المرجحة.
أما المؤسسات المالية وصناديق التحوط، فقد كانت الطرف الأكثر تجهيزًا للفوز، بفضل امتلاكها لخوارزميات تداول متقدمة، وفرق تحليل عالية المستوى، وبيانات آنية حصرية، تمكنت هذه الجهات من اقتناص الفرص في أسهم بعينها، مثل إنفيديا.
تلك الصناديق التي ركزت مراكزها الاستثمارية على هذا النوع من الشركات، خرجت بمكاسب فاقت التوقعات.
في المقابل، لم يكن المستثمر العادي بنفس الحظ، فاستنادًا إلى استبيان أجرته مؤسسة “تشارلز شواب” عام 2024، فإن أكثر من 62% من المستثمرين الأفراد فشلوا في تحقيق أداء يعادل أو يتفوق على السوق.
يعود هذا الإخفاق في الغالب إلى غياب المعرفة المالية المتخصصة، وتوزيع الاستثمارات بطريقة عشوائية، إضافة إلى ضعف التركيز على الأسهم القائدة.
ولكن هذا لا يعني أن كل المستثمرين الأفراد واجهوا نفس المصير ولفهم الصورة بشكل أوضح، يكفي النظر إلى سهم إنفيديا والذي قفز بأكثر من 230% خلال عام 2023، وبالتالي فإن المستثمرين الذين تركزت استثماراتهم في هذا السهم قد جنوا أرباحًا طائلة.
في المقابل، سجل صندوق إيه آر كيه إنوفيشن المتخصص في الابتكار نسبة نمو بلغت 68%، بينما حقق صندوق فان جارد للأسهم ذات القيمة مكسبًا متواضعًا بنسبة 6%.
دروس للمستثمرين
ليست كل ارتفاعات في المؤشرات دليلاً على مكاسب يشترك فيها الجميع، فحين يهيمن عدد قليل من الأسهم العملاقة على حركة السوق، يصبح أداء المؤشر انعكاسًا لقوة تلك الشركات وحدها، لا لمجمل السوق.
هذا الواقع يجعل من المهم أن يكون المستثمر الفرد حذرًا بشأن المؤشر، وأنه ليس بالضرورة يعكس واقع محفظته الخاصة، وحتى التنويع، الذي لطالما رُوِّج له كدرع واقٍ في الأسواق، قد لا يكون كافيًا في بيئات يقودها عمالقة التكنولوجيا أو شركات النمو المرتفعة.
فلم يعد شراء “كل شيء” في السوق يعني تلقائيًا أنك تستثمر في الأفضل؛ فقد تجد نفسك في نهاية المطاف مثقلاً بأسهم ضعيفة أو قطاعات راكدة لا تُسهم كثيرًا في حركة المؤشر.
وفي المقابل، قد يبدو الاستثمار في صناديق المؤشرات المرجحة -مثل إس آند بي 500- خيارًا منطقيًا، خاصةً لمن لا يملكون الوقت أو الخبرة للانتقاء النشط.
لكن النجاح بشكل عام يتطلب التزامًا طويل الأجل، وتحمل تقلبات السوق، وتفهُّمًا لطبيعة الأوزان داخل المؤشر نفسه، حيث قد تشكل عدة شركات أكثر من ثلث العائد الإجمالي.
الأهم من كل ذلك أن يدرك المستثمر أن التوقيت، وفهم هيكل المؤشر، وطريقة توزيع محفظته، عوامل حاسمة للفارق بين من يواكب السوق ومن يتفوق عليه — أو حتى من يتخلف عنه باستمرار.
في المرة القادمة التي تقرأ فيها أن المؤشرات تسجل أرقامًا قياسية، لا تفترض تلقائيًا أن محفظتك يجب أن تعكس نفس الأداء.
فالأسواق المالية ليست ساحةً عادلة للجميع، وما تراه من نتائج لامعة على شاشات المؤشرات كثيرًا ما يعكس أداء حفنة من الشركات العملاقة، لا أداء السوق بأكمله، أما مصير محفظتك، فيحدده فهمك العميق لآليات السوق، لا مجرد تتبع الأرقام من بعيد.
المصادر: أرقام- جولدمان ساكس- جي بي مورجان- بلومبرج- تشارلز شواب- إي تورو- ياهو فاينانس- رويترز