Fx Forsa

الرئيسيةالأخبار الأقتصادية‏مع تزايد أصحاب الشَّعر الفضي .. هل تلائم البُنى التحتية للمدن كبار...

‏مع تزايد أصحاب الشَّعر الفضي .. هل تلائم البُنى التحتية للمدن كبار السن؟

-

‏مع تزايد أصحاب الشَّعر الفضي .. هل تلائم البُنى التحتية للمدن كبار السن؟

الكاتب:

{pubdate}

تشهد مدن العالم ثورة رمادية هادئة تسللت إلى أحيائها وشوارعها، نتيجة تحولات سكانية متسارعة مع زيادة أعداد أصحاب الشعر الفضي، وارتفاع متوسط العمر وتراجع معدلات المواليد، ما وضع تلك المدن أمام واقع جديد يفرض عليها إعادة التكيف.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عامًا ليصل إلى أكثر من 1.6 مليار شخص بحلول عام 2050، ما يعني أن واحدًا من كل ستة أفراد على هذا الكوكب سيكون من كبار السن.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

أما في الدول المتقدمة، مثل اليابان وإيطاليا وألمانيا، فقد بلغت نسبة كبار السن أكثر من 21%، ما يشير إلى تسارع حاد في معدلات الشيخوخة في العديد من الأماكن حول العالم.

هذا التحوّل غير المسبوق يفرض على المدن تحديات جديدة في مجالات التخطيط العمراني والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

فالمدن التي نشأت في الأصل لخدمة فئات شابة وفعّالة أصبحت مطالبة بإعادة النظر في طريقة عملها وهندستها، لضمان أن تظل صالحة للعيش ومريحة وسهلة الوصول لكبار السن.

ولم يعد التكيف مع هذا الواقع السكاني خيارًا، بل ضرورة ملحة، إذ يطرح التقدم في العمر متطلبات جديدة تتعلق بسهولة التنقل، وجودة المرافق الصحية، وتصميم المساكن، وحتى طريقة تنظيم الفضاء العام.

والمفارقة أن ما يُعدّ تحسينًا لاحتياجات المسنين كالأرصفة المسطحة، أو المقاعد العامة، أو الإشارات الصوتية والضوئية الواضحة هو في الواقع تحسين لراحة الجميع، من الأطفال إلى ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الأمهات.

مدن أكثر استعدادًا لكبار السن

جرى تصميم البنية التحتية لمعظم المدن من أنظمة النقل والمساكن إلى المساحات العامة والخدمات الصحية بما يتناسب أساسًا مع السكان الأصغر سنًا والأصحاء بدنيًا.

ولا تزال غالبية المدن تفتقر إلى بنية تُمكّن كبار السن من التنقل الآمن والسلس وبالتالي فهي غير جاهزة لواقع القرن الحادي والعشرين.

في المقابل بدأت بعض المدن تبذل جهودًا واضحة لجعل وسائل النقل العام أكثر ملاءمة لكبار السن، كتركيب المصاعد والسلالم المتحركة في محطات المترو، وخفض أرضيات الحافلات لتسهيل الركوب.

ففي طوكيو مثلًا، تم تجهيز محطات القطارات بأرضيات مميزة ومرافق مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات كبار السن.

وبدأت فلسفة “الشيخوخة في المكان” تشهد انتشارًا أوسع حول العالم، حيث تدعو هذه الفلسفة إلى تمكين كبار السن من العيش في منازلهم ومجتمعاتهم أطول فترة ممكنة، ما يتطلب ليس فقط منازل دون درجات أو بأبواب عريضة، بل أيضًا قربًا مكانيًا من الخدمات الأساسية.

دول سيكون لديها النسبة الأعلى من كبار السن الذين يصل عمرهم 65 عامًا فأكثر بحلول 2050

الترتيب

الدولة

النسبة

1

الصين

%40.6

2

كوريا الجنوبية

%39.4

3

اليابان

%37.5

4

إيطاليا

%37.1

5

إسبانيا

%36.6

6

تايوان

%35.3

7

اليونان

%34.8

8

البرتغال

%34.5

وتستثمر مدن مثل أمستردام وكوبنهاجن وتورونتو، ضمن استراتيجيات التحوّل نحو “مدن صديقة للمسنين” في مساكن متعددة الأجيال.

بل عمدت دولة مثل سنغافورة إلى مفهوم “الكمبونغ العمودي” والذي يشير إلى إعادة تصميم “روح القرية” التقليدية -أي التماسك المجتمعي والتفاعل اليومي بين السكان- ضمن بيئة حضرية مثل الأبراج السكنية.

ووفقًا لهذا المفهوم تُصمم المباني السكانية لتوفير بيئة مناسبة تجمع بين كبار السن، والعائلات الشابة، والخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية، والمرافق المشتركة مثل الحدائق، والساحات ضمن منطقة سكانية واحدة.

الآثار الاقتصادية

لا يُعدّ تكييف المدن مع السكان المسنين ضرورة إنسانية فحسب، بل أيضًا فرصة اقتصادية كبرى حيث يُتوقع أن تصل قيمة “اقتصاد الفضة” إلى 15 تريليون دولار بحلول عام 2030. والمدن التي تستثمر في البنية التحتية الصديقة لكبار السن ستجذب لا فقط السكان المسنين، بل أيضًا الصناعات والخدمات المرتبطة بهم.

وقد يظن البعض أن تطوير تلك المدن يمثل كلفة اقتصادية على الدول، ولكن تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تُشير إلى أن الإصابات الناتجة عن السقوط لدى كبار السن تكلف الأنظمة الصحية في الدول الأعضاء أكثر من 50 مليار دولار أمريكي سنويًا.

في المقابل، تظهر دراسات من إربان انستيتيوت (Urban Institute) أن تحسين الأرصفة، وإضافة ممرات مشاة آمنة، وتسهيل الوصول إلى المواصلات العامة قد يقلل من هذه الحوادث بنسبة تصل إلى 40%، أي قد يوفر نحو 20 مليار دولار أمريكي سنويًا.

هذا يعني أن الاستثمار في البنية التحتية الصديقة لكبار السن لا يحسن جودة الحياة فحسب، بل يُعد تدبيرًا اقتصاديًا ذكيًا على المدى الطويل.

خدمات صحية أفضل للجميع

لعل أبرز احتياجات كبار السن هو توفير الخدمات الصحية والطوارئ، خصوصًا مع تزايد انتشار الأمراض المزمنة وتقدم العمر.

لذا، باتت المدن الذكية تولي اهتمامًا متزايدًا بإيصال الرعاية الصحية إلى الأحياء السكنية، وتقريب الخدمات من الناس بدلًا من حصرها في المستشفيات المركزية.

فنجد على سبيل المثال، عيادات متنقلة تجوب الأحياء لتقديم الفحوصات الأساسية والتطعيمات، وفرص الاستفادة بالاستشارات الطبية عن بعد دون الحاجة إلى التنقل.

وفي إطار الطوارئ، يُعاد تدريب طواقم الإسعاف والخدمات الطبية لتكون مؤهلة للتعامل مع حالات الشيخوخة المعقدة، بما يشمل الفهم العميق لاحتياجات مرضى الخرف، وسرعة الاستجابة للحالات المزمنة، وضمان النقل الآمن إلى المستشفيات.

هذا التوجه لا يخدم كبار السن فحسب، بل يُعزّز المرونة المجتمعية ويُخفف الضغط عن أنظمة الصحة المركزية، ويخلق شبكة دعم صحية أقوى.

مدن ذكية برؤية إنسانية ودعم التكنولوجيا

السكان كبار السن ليسوا فئة متجانسة؛ فهم يتفاوتون في الدخل والقدرات الجسدية والترابط الاجتماعي.

ولذلك، أصبح مفهوم “المدن الصديقة للمسنين” الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية ضرورة وليس رفاهية.

هذه المدن تعطي الأولوية للتصميم الفعال في استيعاب تلك الفئات، من مقاعد استراحة موزعة على الأرصفة، إلى لافتات مقروءة، وأرصفة غير زلقة، وإنارة شوارع كافية.

ففي برشلونة، أُعيد تصميم عدد من الأحياء لتُصبح ما يعرف بـ”مربعات فائقة” والتي تهدف إلى تقييد حركة المرور لصالح المشاة، مما يُقلل الضوضاء ويزيد من المساحات الخضراء، وهذا يُحسن نوعية الحياة لكبار السن وجميع السكان على حد سواء.

وتعد التكنولوجيا شريكًا أساسيًا في إعادة تشكيل المدن لتكون أكثر شمولًا وإنصافًا لكبار السن.

ومع تصاعد التحديات المرتبطة بالشيخوخة السكانية، باتت الابتكارات الرقمية عنصرًا حاسمًا في بناء بنى تحتية تستجيب لحاجات الجيل الرمادي.

فالأجهزة القابلة للارتداء -من ساعات ذكية إلى أساور صحية- باتت تراقب المؤشرات الحيوية وتنبه إلى حالات السقوط أو أي تغير مفاجئ في الوظائف الجسدية، ما يعزز الاستجابة السريعة ويقلل من المخاطر.

كما تُحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي فرقًا كبيرًا في الحياة اليومية للمسنين، من خلال المساعدات المنزلية الذكية التي تُذكّر بتناول الأدوية، وأدوات تتيح التواصل اللحظي مع مقدمي الرعاية أو أفراد العائلة.

وفي المدن المتقدمة مثل هلسنكي وأوساكا، تجري تجارب على حافلات ذاتية القيادة مجهّزة خصيصًا لكبار السن، تضم مقاعد مريحة، وأوامر صوتية، ومساعدات رقمية داخل المركبة، بما يعزز استقلالية التنقل حتى لمن يعانون من صعوبات جسدية.

لكن رغم هذه القفزات، لا تزال الفجوة الرقمية تمثل تحديًا بارزًا، فغياب الإلمام بالتقنيات أو تعقيد استخدامها يمكن أن يُحوّل هذه الحلول إلى أدوات إقصاء، لذا فإن التحدي لا يكمن فقط في تطوير التكنولوجيا، بل في تصميمها بلغة بسيطة، بحيث تصبح في متناول الجميع.

كل تلك المؤشرات تعكس أن ازدياد الشَّعر الرمادي ليس أزمة، بل قد يكون فرصة لإعادة تشكيل المدن لتصبح أكثر عدلًا ومرونة وشمولًا.

فحين تُبنى المدن من منظور كبار السن، فإن النتيجة تكون بيئة حضرية مريحة وآمنة لجميع الفئات العمرية فعلى سبيل المثال يحتاج الأطفال لأرصفة آمنة، فيما يحتاج ذوو الإعاقة سهولة تنقل في الطرقات دون حواجز تعيقهم.

ومع التقدم التكنولوجي، وتطور الفكر الحضري، وإرادة سياسية حقيقية، يمكن للمدن أن تتحول من كونها غير مهيأة إلى أن تكون نموذجًا عالميًا للتعايش بين الأجيال.

المصادر: أرقام- الأمم المتحدة- منظمة الصحة العالمية- مجلة ستيلاب- ذا جارديان-المنتدى الاقتصادي العالمي- منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية

اقرأ الخبر من المصدر

مختارات التحليل والأخبار الأقتصادية

أخر الأخبار

- Advertisement -spot_img

‏مع تزايد أصحاب الشَّعر الفضي .. هل تلائم البُنى التحتية للمدن كبار السن؟

الكاتب:

{pubdate}

تشهد مدن العالم ثورة رمادية هادئة تسللت إلى أحيائها وشوارعها، نتيجة تحولات سكانية متسارعة مع زيادة أعداد أصحاب الشعر الفضي، وارتفاع متوسط العمر وتراجع معدلات المواليد، ما وضع تلك المدن أمام واقع جديد يفرض عليها إعادة التكيف.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عامًا ليصل إلى أكثر من 1.6 مليار شخص بحلول عام 2050، ما يعني أن واحدًا من كل ستة أفراد على هذا الكوكب سيكون من كبار السن.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

أما في الدول المتقدمة، مثل اليابان وإيطاليا وألمانيا، فقد بلغت نسبة كبار السن أكثر من 21%، ما يشير إلى تسارع حاد في معدلات الشيخوخة في العديد من الأماكن حول العالم.

هذا التحوّل غير المسبوق يفرض على المدن تحديات جديدة في مجالات التخطيط العمراني والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

فالمدن التي نشأت في الأصل لخدمة فئات شابة وفعّالة أصبحت مطالبة بإعادة النظر في طريقة عملها وهندستها، لضمان أن تظل صالحة للعيش ومريحة وسهلة الوصول لكبار السن.

ولم يعد التكيف مع هذا الواقع السكاني خيارًا، بل ضرورة ملحة، إذ يطرح التقدم في العمر متطلبات جديدة تتعلق بسهولة التنقل، وجودة المرافق الصحية، وتصميم المساكن، وحتى طريقة تنظيم الفضاء العام.

والمفارقة أن ما يُعدّ تحسينًا لاحتياجات المسنين كالأرصفة المسطحة، أو المقاعد العامة، أو الإشارات الصوتية والضوئية الواضحة هو في الواقع تحسين لراحة الجميع، من الأطفال إلى ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الأمهات.

مدن أكثر استعدادًا لكبار السن

جرى تصميم البنية التحتية لمعظم المدن من أنظمة النقل والمساكن إلى المساحات العامة والخدمات الصحية بما يتناسب أساسًا مع السكان الأصغر سنًا والأصحاء بدنيًا.

ولا تزال غالبية المدن تفتقر إلى بنية تُمكّن كبار السن من التنقل الآمن والسلس وبالتالي فهي غير جاهزة لواقع القرن الحادي والعشرين.

في المقابل بدأت بعض المدن تبذل جهودًا واضحة لجعل وسائل النقل العام أكثر ملاءمة لكبار السن، كتركيب المصاعد والسلالم المتحركة في محطات المترو، وخفض أرضيات الحافلات لتسهيل الركوب.

ففي طوكيو مثلًا، تم تجهيز محطات القطارات بأرضيات مميزة ومرافق مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات كبار السن.

وبدأت فلسفة “الشيخوخة في المكان” تشهد انتشارًا أوسع حول العالم، حيث تدعو هذه الفلسفة إلى تمكين كبار السن من العيش في منازلهم ومجتمعاتهم أطول فترة ممكنة، ما يتطلب ليس فقط منازل دون درجات أو بأبواب عريضة، بل أيضًا قربًا مكانيًا من الخدمات الأساسية.

دول سيكون لديها النسبة الأعلى من كبار السن الذين يصل عمرهم 65 عامًا فأكثر بحلول 2050

الترتيب

الدولة

النسبة

1

الصين

%40.6

2

كوريا الجنوبية

%39.4

3

اليابان

%37.5

4

إيطاليا

%37.1

5

إسبانيا

%36.6

6

تايوان

%35.3

7

اليونان

%34.8

8

البرتغال

%34.5

وتستثمر مدن مثل أمستردام وكوبنهاجن وتورونتو، ضمن استراتيجيات التحوّل نحو “مدن صديقة للمسنين” في مساكن متعددة الأجيال.

بل عمدت دولة مثل سنغافورة إلى مفهوم “الكمبونغ العمودي” والذي يشير إلى إعادة تصميم “روح القرية” التقليدية -أي التماسك المجتمعي والتفاعل اليومي بين السكان- ضمن بيئة حضرية مثل الأبراج السكنية.

ووفقًا لهذا المفهوم تُصمم المباني السكانية لتوفير بيئة مناسبة تجمع بين كبار السن، والعائلات الشابة، والخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية، والمرافق المشتركة مثل الحدائق، والساحات ضمن منطقة سكانية واحدة.

الآثار الاقتصادية

لا يُعدّ تكييف المدن مع السكان المسنين ضرورة إنسانية فحسب، بل أيضًا فرصة اقتصادية كبرى حيث يُتوقع أن تصل قيمة “اقتصاد الفضة” إلى 15 تريليون دولار بحلول عام 2030. والمدن التي تستثمر في البنية التحتية الصديقة لكبار السن ستجذب لا فقط السكان المسنين، بل أيضًا الصناعات والخدمات المرتبطة بهم.

وقد يظن البعض أن تطوير تلك المدن يمثل كلفة اقتصادية على الدول، ولكن تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تُشير إلى أن الإصابات الناتجة عن السقوط لدى كبار السن تكلف الأنظمة الصحية في الدول الأعضاء أكثر من 50 مليار دولار أمريكي سنويًا.

في المقابل، تظهر دراسات من إربان انستيتيوت (Urban Institute) أن تحسين الأرصفة، وإضافة ممرات مشاة آمنة، وتسهيل الوصول إلى المواصلات العامة قد يقلل من هذه الحوادث بنسبة تصل إلى 40%، أي قد يوفر نحو 20 مليار دولار أمريكي سنويًا.

هذا يعني أن الاستثمار في البنية التحتية الصديقة لكبار السن لا يحسن جودة الحياة فحسب، بل يُعد تدبيرًا اقتصاديًا ذكيًا على المدى الطويل.

خدمات صحية أفضل للجميع

لعل أبرز احتياجات كبار السن هو توفير الخدمات الصحية والطوارئ، خصوصًا مع تزايد انتشار الأمراض المزمنة وتقدم العمر.

لذا، باتت المدن الذكية تولي اهتمامًا متزايدًا بإيصال الرعاية الصحية إلى الأحياء السكنية، وتقريب الخدمات من الناس بدلًا من حصرها في المستشفيات المركزية.

فنجد على سبيل المثال، عيادات متنقلة تجوب الأحياء لتقديم الفحوصات الأساسية والتطعيمات، وفرص الاستفادة بالاستشارات الطبية عن بعد دون الحاجة إلى التنقل.

وفي إطار الطوارئ، يُعاد تدريب طواقم الإسعاف والخدمات الطبية لتكون مؤهلة للتعامل مع حالات الشيخوخة المعقدة، بما يشمل الفهم العميق لاحتياجات مرضى الخرف، وسرعة الاستجابة للحالات المزمنة، وضمان النقل الآمن إلى المستشفيات.

هذا التوجه لا يخدم كبار السن فحسب، بل يُعزّز المرونة المجتمعية ويُخفف الضغط عن أنظمة الصحة المركزية، ويخلق شبكة دعم صحية أقوى.

مدن ذكية برؤية إنسانية ودعم التكنولوجيا

السكان كبار السن ليسوا فئة متجانسة؛ فهم يتفاوتون في الدخل والقدرات الجسدية والترابط الاجتماعي.

ولذلك، أصبح مفهوم “المدن الصديقة للمسنين” الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية ضرورة وليس رفاهية.

هذه المدن تعطي الأولوية للتصميم الفعال في استيعاب تلك الفئات، من مقاعد استراحة موزعة على الأرصفة، إلى لافتات مقروءة، وأرصفة غير زلقة، وإنارة شوارع كافية.

ففي برشلونة، أُعيد تصميم عدد من الأحياء لتُصبح ما يعرف بـ”مربعات فائقة” والتي تهدف إلى تقييد حركة المرور لصالح المشاة، مما يُقلل الضوضاء ويزيد من المساحات الخضراء، وهذا يُحسن نوعية الحياة لكبار السن وجميع السكان على حد سواء.

وتعد التكنولوجيا شريكًا أساسيًا في إعادة تشكيل المدن لتكون أكثر شمولًا وإنصافًا لكبار السن.

ومع تصاعد التحديات المرتبطة بالشيخوخة السكانية، باتت الابتكارات الرقمية عنصرًا حاسمًا في بناء بنى تحتية تستجيب لحاجات الجيل الرمادي.

فالأجهزة القابلة للارتداء -من ساعات ذكية إلى أساور صحية- باتت تراقب المؤشرات الحيوية وتنبه إلى حالات السقوط أو أي تغير مفاجئ في الوظائف الجسدية، ما يعزز الاستجابة السريعة ويقلل من المخاطر.

كما تُحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي فرقًا كبيرًا في الحياة اليومية للمسنين، من خلال المساعدات المنزلية الذكية التي تُذكّر بتناول الأدوية، وأدوات تتيح التواصل اللحظي مع مقدمي الرعاية أو أفراد العائلة.

وفي المدن المتقدمة مثل هلسنكي وأوساكا، تجري تجارب على حافلات ذاتية القيادة مجهّزة خصيصًا لكبار السن، تضم مقاعد مريحة، وأوامر صوتية، ومساعدات رقمية داخل المركبة، بما يعزز استقلالية التنقل حتى لمن يعانون من صعوبات جسدية.

لكن رغم هذه القفزات، لا تزال الفجوة الرقمية تمثل تحديًا بارزًا، فغياب الإلمام بالتقنيات أو تعقيد استخدامها يمكن أن يُحوّل هذه الحلول إلى أدوات إقصاء، لذا فإن التحدي لا يكمن فقط في تطوير التكنولوجيا، بل في تصميمها بلغة بسيطة، بحيث تصبح في متناول الجميع.

كل تلك المؤشرات تعكس أن ازدياد الشَّعر الرمادي ليس أزمة، بل قد يكون فرصة لإعادة تشكيل المدن لتصبح أكثر عدلًا ومرونة وشمولًا.

فحين تُبنى المدن من منظور كبار السن، فإن النتيجة تكون بيئة حضرية مريحة وآمنة لجميع الفئات العمرية فعلى سبيل المثال يحتاج الأطفال لأرصفة آمنة، فيما يحتاج ذوو الإعاقة سهولة تنقل في الطرقات دون حواجز تعيقهم.

ومع التقدم التكنولوجي، وتطور الفكر الحضري، وإرادة سياسية حقيقية، يمكن للمدن أن تتحول من كونها غير مهيأة إلى أن تكون نموذجًا عالميًا للتعايش بين الأجيال.

المصادر: أرقام- الأمم المتحدة- منظمة الصحة العالمية- مجلة ستيلاب- ذا جارديان-المنتدى الاقتصادي العالمي- منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية

اقرأ الخبر من المصدر

Must Read

- Advertisement -spot_img

Editor Picks

هل تحتاج مساعدة لاختيار الباقة الأنسب لك؟